الكبيرة السادسة و الأربعون : تصديق الكاهن و المنجم .
قال الله تعالى : { و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } .
قال الواحدي في تفسير قوله تعالى : { و لا تقف ما ليس لك به علم } قال الكلبي : لا تقل ما ليس لك به علم و قال قتادة : لا تقل سمعت و لم تسمع و رأيت و لم تر و علمت و لم تعلم و المعنى : لا تقولن في شيء بما لا تعلم { إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } قال الوالبي عن ابن عباس : يسأل الله العباد فيم استعملوها و في هذا زجر عن النظر إلى ما لا يحل و الاستماع إلى ما يحرم و إرادة ما لا يجوز و الله أعلم و قال الله تعالى : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول } قال ابن الجوزي : عالم الغيب هو الله عز و جل وحده لا شريك له في ملكه فلا يظهر : أي فلا يطلع على غيبه الذي لا يعلمه أحد من الناس إلا من ارتضى من رسول لأن الدليل على صدق الرسل إخبارهم بالغيب و المعنى أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من الغيب ففي هذا دليل على أن من زعم أن النجوم تدل على الغيب فهو كافر و الله أعلم .
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم و روينا في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني Bه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الصبح في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس بوجهه فقال : [ هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم قال : أصبح من عبادي مؤمن و كافر فأما من قال : مطرنا بفضل الله و رحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب و أما من قال : مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ] .
قال العلماء : إن قال مسلم مطرنا بنوء كذا يريد أن النوء هو الموجد و الفاعل المحدث للمطر صار كافرا مرتدا بلا شك و إن قال مريدا أنه علامة نزول المطر و ينزل المطر عند هذه العلامة و نزوله بفعل الله خلقه لم يكفر و اختلفوا في كراهته و المختار أنه مكروه لأنه من ألفاظ الكفار و هذا ظاهر الحديث .
و قوله : في أثر سماء ـ السماء هنا المطر و الله أعلم و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من أتى عرافا فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوما ] رواه مسلم و عن عائشة Bها قالت : سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم أناس عن الكهان فقال : [ ليس بشيء قالوا : يا رسول الله أليس قد قال كذا و كذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تلك الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقرها في إذن وليه ـ أي يلقيها ـ فيخلط معها مائة كذبة ] مخرج في الصحيحين و [ عن عائشة Bها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : إن الملائكة تنزل في العنان ـ و هو السحاب ـ فتذكر الأمر قضي في السماء فيسترق الشيطان السمع فيسمعه فيوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم ] رواه البخاري .
و [ عن قبيصة بن أبي المخارق Bه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : العيافة و الطيرة و الطرق من الجبت ] رواه أبو داود و قال : الطرق : الزجر أي زجر الطير و هو من يتيامن أو يتشاءم بطيرانه فإن طار إلى جهة اليمين تيمن و إن طار إلى جهة اليسار تشاءم قال أبو داود : العيافة الخط قال الجوهري : الجبت كلمة يقع على النم و الكاهن و الساحر و نحو ذلك و [ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد ] و قال علي بن أبي طالب : الكاهن ساحر و الساحر كافر فنسأل الله العافية و العصمة في الدنيا و الآخرة .
موعظة : عباد الله تفكروا في سلفكم قبل تلفكم و انظروا في أموركم قبل حلول قبوركم فتأهبوا للرحيل قبل فوت تحويلكم أين الأقرن الأخوان أين من شيد الإيوان رحلوا و الله عن الأوطان و مزقت في اللحود تلك الأكفان هتف نذيرهم بأهل العرفان ـ كل من عليها فان ـ تقلبت بهم الأحوال و لعب بهم في أيدي الليالي و شغلوا عن الأولاد و الأموال و نسيهم أحباؤهم بعد ليال عانقوا التراب و فارقوا الأموال فلو أذن لأحدهم في المقال لقال : .
( من رآنا فليحدث نفسه ... إنه وقف على قرب زوال ) .
( و صروف الدهر لا يبقى لها ... و لما تأتي به صم الجبال ) .
( رب ركب قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال ) .
( و الأباريق عليهم قدمت ... وعتاق الخيل تردى بالجلال ) .
( عمروا دهرا بعيش ناعم ... أبيض دهرهم غير محال ) .
( ثم أضحوا لعب الدهر بهم ... و كذلك الدهر يودي بالرجال )