الكبيرة التاسعة و الثلاثون : الخيانة .
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون } .
قال الواحدي C تعالى : نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني قريظة لما حاصرهم و كان أهله و ولده فيهم فقالوا : يا أبا لبابة ما ترى لنا إن نزلنا على حكم سعد فينا ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي أنه الذبح فلا تفعلوا فكانت تلك منه خيانة لله و رسوله قال أبو لبابة : فما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني خنت الله و رسوله و قوله : { و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون } عطف على النهي أي و لا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس : الأمانات الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد يعني الفرائض يقول : لا تنقضوها قال الكلبي : أما خيانة الله و رسوله فمعصيتهما و أما خيانة الأمانة : فكل واحد مؤتمن على ما افترضه الله عليه إن شاء خانها و إن شاء أداها لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى و قوله { و أنتم تعلمون } أنها أمانة من غير شبهة و قال تعالى : { وأن الله لا يهدي كيد الخائنين } : أي لا يرشد كيد من خان أمانته يعني أنه يفتضح في العاقبة بحرمان الهداية و قال عليه الصلاة و السلام : [ آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا ائتمن خان ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا إيمان لمن لا أمانة له و لا دين لمن لا عهد له ] و الخيانة قبيحة في كل شيء و بعضها شر من بعض و ليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك و مالك و ارتكب العظائم و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : [ أد الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك ] و في الحديث أيضا : [ يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة و الكذب ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه ] و فيه أيضا : [ أول ما يرفع من الناس الأمانة و آخر ما يبقى الصلاة و رب مصل لا خير فيه ] و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ إياكم و الخيانة فإنها بئست البطانة ] و قال عليه الصلاة و السلام : [ هكذا أهل النار و ذكر منهم رجلا لا يخفى له طمع و إن دق إلا خانه ] و قال ابن مسعود : يؤتى يوم القيامة بصاحب الأمانة الذي خان فيها فيقال له : أد أمانتك فيقول : أنى يا رب و قد ذهبت الدنيا ؟ قال فتمثل له كهيئتها يوم أخذها في قعر جهنم ثم يقال له إنزل إليها فأخرجها قال : فينزل إليها فيحملها على عاتقه فهي عليه أثقل من جبال الدنيا حتى إذا ظن أنه ناج هوت و هوى في أثرها أبد الآبدين ثم قال : الصلاة أمانة و الوضوء أمانة و الغسل أمانة و الوزن أمانة و الكيل أمانة و أعظم ذلك الودائع .
اللهم عاملنا بلطفك و تداركنا بعفوك .
( موعظة ) عباد الله ! ما أشرف الأوقات و قد ضيعتموها و ما أجهل النفوس و قد أطعتموها و ما أدق السؤال عن الأموال فانظروا كيف جمعتموها و ما أحفظ الصحف بالأعمال فتدبروا ما أودعتموها قبل الرحيل عن القليل و المناقشة عن النقير و الفتيل قبل أن تنزلوا بطون اللحود و تصيروا طعاما للدود في بيت بابه مسدود و لو قيل فيه للعاصي ما تختارلقال أعود و لا أعود : .
( أين أهل الديار من قوم نوح ... ثم عاد من بعدهم و ثمود ) .
( بينما القوم في النمارق و الإستبـ ... رق أفضت إلى التراب الخدود ) .
( و صحيح أضحى يعود مريضا ... و هو أدنى للموت ممن يعود )