الكبيرة الثامنة و الثلاثون : التعلم للدنيا و كتمان العلم .
قال الله تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } يعني العلماء بالله عز و جل قال ابن عباس : يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي و عزتي و سلطاني و قال مجاهد و الشعبي : العالم من خاف الله تعالى و قال الربيع بن أنس من لم يخش الله فليس بعالم و قال الله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون } .
نزلت هذه الآية في علماء يهود و أراد ( بالبينات ) الرجم و الحدود و الأحكام و بالهدى أمر محمد عليه الصلاة و السلام و نعته { من بعد ما بيناه للناس } أي بني إسرائيل { في الكتاب } أي في التوراة { أولئك } يعني الذين يكتمون { يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون } قال ابن عباس : كل شيء لا الجن و الأنس و قال ابن مسعود : ما تلاعن اثنان من المسلمين إلا رجعت تلك اللعنة على اليهود و النصارى الذين يكتمون أمر محمد صلى الله عليه و سلم و صفته و قال الله تعالى : { و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون } .
قال الواحدي : نزلت هذه الآية في يهود المدينة أخذ الله ميثاقهم في التوراة ليبينن شأن محمد صلى الله عليه و سلم و نعته و مبعثه و لا يخفونه و هو قوله تعالى : { لتبيننه للناس و لا تكتمونه } و قال الحسن : هذا ميثاق الله تعالى على علماء اليهود أن يبينوا للناس ما في كتابهم و فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم و قوله { فنبذوه وراء ظهورهم } قال ابن عباس : أي ألقوا ذلك الميثاق خلف ظهورهم { و اشتروا به ثمنا قليلا } يعني ما كانوا يأخذونه من سفلتهم برياستهم في العلم و قوله : { فبئس ما يشترون } قال ابن عباس : قبح شراؤهم و خسروا و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ من تعلم علم مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة ] يعني ريحها رواه أبو داود و قد مر حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين يسحبون إلى النار أحدهم الذي يقال له : إنما تعلمت ليقال عالم و قد قيل و قال صلى الله عليه و سلم : [ من ابتغى العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو تقبل أفئدة الناس إليه فإلى النار ] و في لفظ [ أدخله الله النار ] أخرجه الترمذي و قال صلى الله عليه و سلم : [ من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ] و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أعوز بك من علم لا ينفع ] و قال صلى الله عليه و سلم [ من تعلم علما لم يعمل به لم يزده العلم إلا كبرا ] و [ عن أبي أمامة Bه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يجاء بالعالم السوء يوم القيامة فيقذف في النار فيدور بقصبه كما يدور الحمار بالرحا فيقال له بما لقيت هذا و إنما اهتدينا بك فيقول : كنت أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ] و قال هلال بن العلاء : طلب العلم شديد و حفظه أشد من طلبه و العمل به أشد من حفظه و السلامة منه أشد من العمل به فنسأل الله السلامة من كل بلاء و التوفيق لما يحب و يرضى إنه جواد كريم .
( موعظة ) ابن آدم ! متى تذكر عواقب الأمور ؟ متى ترحل الرحال عن هذه القصور ؟ إلى متى في جميع ما تبني تدور ؟ أين من كان من قبلكم في المنازل و الدور ؟ أين من ظن بسوء تدبيره أنه لا يحور ؟ رحل و الله الكل فاجتمعوا في القبور ؟ و استوطنوا أ خشن المهاد إلى نفخ الصور فإذا قاموا إلى فصل القضاء و السماء تمور كشفوا الحجاب المخفي و هتك المستور و ظهرت عجائب الأفعال و حصل ما في الصدور و نصب الصراط فكم من قدم عثور و وضعت عليه كلاليب لخطف كل مغرور و أصبحت وجوه المتقين تشرق كالبدور وباءوا بتجارة لن تبور و دعا أهل الفجور بالويل و الثبور و جيء بالنار تقاد بالأزمة و هي تفور إذ ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا و هي تفور ليس في الدنيا لمن آمن بالبعث سرور إنما يفرح بالدنيا جهول أو كفور .
( إنما الدنيا متاع ... كل ما فيها غرور ) .
( فتذكر هول يوم ... السما فيه تمور )