ثم ذكر سبحانه مقالة شنعاء قالوها فقال : 8 - { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } القائل لهذه المقالة هو عبد الله بن أبي رأس المنفاقين وعنى بالأعز نفسه ومن معه وبالأذل رسول الله A ومن معه ومراده بالرجوع رجوعهم من تلك الغزوة وإنما أسند القول إلى المنافقين مع كون القائل هو فرد من سامعون له مطيعون ثم رد الله سبحانه على قائل تلك المقالة فقال : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } أي القوة والغلبة لله وحده ولمن أفاضها عليه من رسله وصالحي عباده لا لغيرهم اللهم كما جعلت العزة للمؤمنين على المنافقين على المنافقين فاجعل العزة للعادلين من عبادك وأنزل الذلة على الجائرين الظالمين { ولكن المنافقين لا يعلمون } بما فيه النفع فيفعلونه وبما فيه الضر فيجتنبونه بل هم كالأنعام لفرط جهلهم ومزيد حيرتهم والطبع على قلوبهم .
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن زيد بن أرقم قال : [ خرجنا مع رسول الله A في سفر فأصاب الناس شدة فقال عبد الله بن أبي لأصحابه { لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } من حوله وقال : { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } فأتيت النبي A فأخبرته بذلك فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله فاجتهد يمينه ما فعل فقالوا : كذب زيد رسول الله فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله تصديقي في إذا جاءك المنافقون فدعاهم النبي A ليستغفر لهم فلووا رؤوسهم وهو قوله : { كأنهم خشب مسندة } قال : كانوا رجالا أجمل شيء ] وأخرج عنه بأطول من هذا ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : إنما سماهم الله منافقين لأنهم كتموا الشرك وأظهروا الإيمان وأخرج ابن المنذر عنه { اتخذوا أيمانهم جنة } قال : حلفهم بالله إنهم لمنكم اجتنبوا بأيمانهم من القتل والحرب وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا { كأنهم خشب مسندة } قال نخل قيام وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عنه أيضا قال نزلت هذه الآية { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } في عسيف لعمر بن الخطاب وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم وابن مسعود أنهما قرآ { لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله قال : [ كنا مع النبي A في غزاة قال سفيان : يرون أنها غزوة بني المصطلق فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال المهاجري ياللمهاجرين وقال الأنصاري ياللأنصار فسمع ذلك النبي A : ما بال دعوة الجاهلية ؟ قالوا رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار فقال النبي A : دعوها فإنها منتنة فسمع ذلك عبد الله بن أبي فقال : أو قد فعلوها والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فبلغ ذلك النبي A فقام عمر فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي A : دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ] زاد الترمذي [ فقال له ابنه عبد الله : والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله العزيز ففعل ]