قوله 200 - { يا أيها الذين آمنوا اصبروا } إلخ هذه الآية العاشرة من قوله سبحانه { إن في خلق السموات } ختم بها هذه السورة لما اشتملت عليه من الوصايا التي جمعت خير الدنيا والآخرة فحض على الصبر على الطاعات والشهوات والصبر : الحبس وقد تقدم تحقيق معناه والمصابرة مصابرة الأعداء قاله الجمهور : أي غالبوهم في الصبر على الشدائد الحرب وخص المصابرة بالذكر بعد أن ذكر الصبر لكونها أشد منه وأشق وقيل : المعنى صابروا على الصلوات وقيل : صابروا الأنفس عن شهواتها وقيل : صابروا الوعد الذي وعدتم ولا تيأسوا والقول الأول هو المعنى العربي ومنه قول عنترة : .
( فلم أر حيا صابروا مثل صبرنا ... ولا كافحوا مثل الذين نكافح ) .
أي : صابروا العدو في الحرب قوله { ورابطوا } أي : أقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها كما يربطها أعداؤكم وهذا قول جمهور المفسرين وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ولم يكن في زمن رسول الله A غزو يرابط فيه وسيأتي ذكر من خرج عنه هذا والرباط اللغوي هو الأول ولا ينافيه تسميته A لغيره رباطا كما سيأتي ويمكن إطلاق الرباط على المعنى الأول وعلى انتظار الصلاة قال الخليل : الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة هكذا قال وهو من أئمة اللغة وحكى ابن فارس عن الشيباني أنه قال : يقال : ماء مترابط دائم لا يبرح وهو يقتضي تعدية الرباط إلى غير ارتباط الخيل في الثغور قوله { واتقوا الله } فلا تخالفوا ما شرعه لكم { لعلكم تفلحون } أي : تكونون من جملة الفائزين بكل مطلوب وهم المفلحون .
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله { لا يغرنك تقلب الذين كفروا } تقلب ليلهم ونهارهم وما يجري عليهم من النعم قال عكرمة : قال ابن عباس وبئس المهاد : أي بئس المنزل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { تقلبهم في البلاد } قال : ضربهم في البلاد وأخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله { وما عند الله خير للأبرار } قال : إنما سماهم الله أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء كما أن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا والأول أصح قاله السيوطي وأخرج ابن جرير عن ابن زيد { خير للأبرار } لمن يطيع الله وأخرج النسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال : لما مات النجاشي قال A : صلوا عليه قالوا : يا رسول الله نصلي على عبد حبشي ؟ فأنزل الله { وإن من أهل الكتاب } الآية وأخرج ابن جرير عن جابر مرفوعا أن المنافقين قالوا : انظروا إلى هذا يعني النبي A يصلي على علج نصراني فنزلت وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير أنها نزلت في النجاشي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : هم مسلمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد والذين اتبعوا محمدا A وأخرج ابن المبارك وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ما قدمنا ذكره وأخرج ابن مردويه عنه عن أبي هريرة قال : أما إنه لم يكن في زمن النبي A غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلوات في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها وقد ثبت في الصحيح وغيره من قول النبي A : [ ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات : إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم ورابطوا عدوي وعدوكم وقد روي من تفاسير السلف غير هذا في سر الصبر على نوع من أنواع الطاعات والمصابرة على نوع آخر ولا تقوم بذلك حجة فالواجب الرجوع إلى المدلول اللغوي وقد قدمناه وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرباط وفيها التصريح بأنه الرباط في سبيل الله وهو يرد ما قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن فإن رسول الله A قد ندب إلى الرباط في سبيل الله وهو الجهاد فيحمل ما في الآية عليه وقد ورد عنه A أنه سمي حراسة جيش المسلمين رباطا فأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال : [ سئل رسول الله A عن أجر المرابط فقال : من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى ] .
وقد ورد في فضل هذه العشر الآيات التي في آخر هذه السورة مرفوعا إلى النبي A ما أخرجه ابن السني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة [ أن رسول الله A كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة ] وفي إسناده مظاهر بن أسلم وهو ضعيف وقد تقدم من حديث ابن عباس في الصحيحين أن النبي A قرأ هذه العشر الآيات لما استيقظ وكذلك تقدم في غير الصحيحين من رواية صفوان بن المعطل عن النبي A وأخرج الدارمي عن عثمان بن عفان قال : [ من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة ]