قوله 195 - { فاستجاب } الاستجابة بمعنى الإجابة وقيل : الإجابة عامة والاستجابة خاصة بإعطاء المسؤول وهذا الفعل يتعدى بنفسه وباللام يقال : استجابه واستجاب له والفاء للعطف وقيل على مقدر : أي دعوا بهذه الأدعية فاستجاب لهم وقيل على قوله : { ويتفكرون } وإنما ذكر سبحانه الاستجابة وما بعدها في جملة ما لهم من الأوصاف الحسنة لأنها منه إذ من أجيبت دعوته فقد رفعت درجته قوله { أني لا أضيع عمل عامل منكم } أي بأني وقرأ عيسى بن عمرو بكسر الهمزة على تقدير القول وقرأ أبي بثبوت الباء وهي للسببية : أي فاستجاب لهم ربهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم والمراد بالإضاعة ترك الإثابة قوله { من ذكر أو أنثى } من بيانية ومؤكدة لما تقتضيه النكرة الواقعة في سياق النفي من العموم قوله { بعضكم من بعض } أي : رجالكم مثل نسائكم في الطاعة ونساؤكم مثل رجالكم فيها والجملة معترضة لبيان كون كل منهما من الآخر باعتبار تشعبهما من أصل واحد قوله { فالذين هاجروا } الآية هذه الجملة تتضمن تفصيل ما أجمل في قوله { أني لا أضيع عمل عامل } أي : فالذين هاجروا من أوطانهم إلى رسول الله A { وأخرجوا من ديارهم } في طاعة الله D { وقاتلوا } أعداء الله { وقتلوا } في سبيل الله وقرأ ابن كثير و ابن عامر { وقتلوا } على التكثير وقرأ الأعمش و حمزة و الكسائي { وقاتلوا وقتلوا } وهو مثل قول الشاعر : .
( تصابى وأمسى علاه الكبر ) .
أي : قد علاه الكبر وأصل الواو المطلق الجمع بلا ترتيب كما قال به الجمهور والمراد هنا : أنهم قاتلوا وقتل بعضهم كما قال امرؤ القيس : .
( فإن تقتلونا نقتلكمو ) .
وقرأ عمر بن عبد العزيز وقتلوا وقتلوا ومعنى قوله { وأوذوا في سبيلي } أي بسببه والسبيل : الدين الحق والمراد هنا : ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله وعملهم بما شرعه الله لعباده وقوله { لأكفرن } جواب قسم محذوف وقوله { ثوابا من عند الله } مصدر مؤكد عند البصريين لأن معنى قوله { لأدخلنهم جنات } لأثيبنهم ثوابا : أي إثابة أو تثويبا كائنا من عند الله وقال الكسائي : إنه منتصب على الحال وقال الفراء : على التفسير { والله عنده حسن الثواب } أي حسن الجزاء وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله من ثاب يثوب : إذا رجع .
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله { فاستجاب لهم } إلى آخر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال : ما من عبد يقول يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه فذكر للحسن فقال : أما تقرأ القرآن ؟ { ربنا إننا سمعنا مناديا } إلى قوله { فاستجاب لهم ربهم } وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت : آخر آية نزلت هذه الآية { فاستجاب لهم ربهم } إلى آخرها وقد ورد في فضل الهجرة أحاديث كثيرة