قوله 194 - { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } هذا دعاء آخر والنكتة في تكرير النداء ما تقدم والموعود به على ألسن الرسل هو الثواب الذي وعد الله به أهل طاعته ففي الكلام حذف وهو لفظ الألسن كقوله { واسأل القرية } وقيل : المحذوف التصديق : أي ما وعدتنا على تصديق رسلك وقيل : ما وعدتنا منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك والأول أولى وصدور هذا الدعاء منهم مع علمهم أن ما وعدهم الله به على ألسن رسله كائن لا محالة إما لقصد التعجيل أو للخضوع بالدعاء لكونه مخ العبادة وفي قولهم { إنك لا تخلف الميعاد } دليل على أنهم لم يخافوا خلف الوعد وأن الحامل لهم على الدعاء هو ما ذكرنا .
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات ؟ قالوا : عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي A فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت { إن في خلق السموات والأرض } الآية وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة فنام رسول الله A حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي في معجم الصحابة عن صفوان بن المعطل قال : كنت مع النبي A في سفر فذكر نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في قوله { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } الآية قال : إنما هذه في الصلاة إذا لم يستطع قائما فقاعدا وإن لم يستطع قاعدا فعى جنبه وقد ثبت في البخاري من حديث عمران بن حصين قال : [ كانت بي بواسير فسألت النبي A عن الصلاة فقال : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ] وثبت فيه عنه قال : [ سألت رسول الله A عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال : من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد ] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هذه حالاتك كلها يابن آدم اذكر الله وأنت قائم فإن لم تستطع فاذكره جالسا فإن لم تستطع جالسا فاذكره وأنت على جنبك يسر من الله وتخفيف .
وأقول هذا التقييد الذي ذكره بعدم الاستطاعة مع تعميم الذكر لا وجه له لا من الآية ولا من غيرها فإنه لم يرد في شيء من الكتاب والسنة ما يدل على أنه لا يجوز الذكر من قعود إلا مع عدم استطاعة الذكر من قيام ولا يجوز على جنب إلا مع عدم استطاعته من قعود وإنما يصلح هذا التقييد لمن جعل المراد بالذكر هنا الصلاة كما سبق عن ابن مسعود وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن حبان في صحيحه وابن مردويه عن عائشة مرفوعا : ويل لمن قرا هذه الآية ولم يتفكر فيها وأخرج ابن أبي الدنيا في التفكر عن سفيان رفعه [ من قرأ آخر سورة آل عمران فلم يتفكر فيها ويله فعد أصابعه عشرا ] قيل للأوزاعي : ما غاية التفكر فيهن ؟ قال : يقرأهن وهو يعقلهن وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في استحباب التفكر مطلقا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس في قوله { من تدخل النار فقد أخزيته } قال : من تخلد وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن المسيب في الآية قال : هذه خاصمة بمن لا يخرج منها وأخرج ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال : قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت { وما هم بخارجين من النار } قال : أخبرني رسول الله A أنهم الكفار قلت لجابر : فقوله { إنك من تدخل النار فقد أخزيته } قال : وما أخزاه حين أحرقه بالنار وإن دون ذلك خزيا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { مناديا ينادي للإيمان } قال : هو محمد A وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : هو القرآن ليس كل أحد سمع النبي A وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } قال : يستنجزون موعد الله على رسله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولا تخزنا يوم القيامة } قال : لا تفضحنا