ثم أمر الله سبحانه رسوله A أن يقول للكفار قولا يلزمهم به الحجة ويقطع ما يوردونه من الشبهة فقال : 81 - { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } أي إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده لأن من عبد الله وحده فقد دفع أن يكون له ولد كذا قال ابن قتيبة وقال الحسن والسدي : إن المعنى ما كان للرحمن ولد ويكون قوله : { فأنا أول العابدين } ابتداء كلام وقيل المعنى : قل يا محمد إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته ولكنه يستحيل أن يكون له ولد وفيه نفي للولد على أبلغ وجه وأتم عبارة وأحسن أسلوب وهذا هو الظاهر من النظم القرآني ومن هذا القبيل قوله تعالى : { إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } ومثل هذا قول الرجل لمن يناظره : إن تثبت ما تقوله بالدليل فأنا أول من يعتقده ويقول به فتكون إن في إن كان شرطية ورجح هذا ابن جرير وغيره وقيل معنى العابدين : الآنفين من العبادة وهو تكلف لا ملجئ إليه ولكنه قرأ أبو عبد الرحمن اليماني العبدين بغير ألف يقال عبد يعبد عبدا بالتحريك : إذا أنف وغضب فهو عبد والاسم العبدة مثل الأنفة ولعل الحامل لمن قرأ هذه القراءة الشاذة البعيدة هو استبعاد معنى { فأنا أول العابدين } وليس بمستعد ولا مستنكر وقد حكى الجوهري : عن أبي عمرو في قوله : { فأنا أول العابدين } أنه من الأنف والغضب وحكاه الماوردي عن الكسائي والقتيبي وبه قال الفراء وكذا قال ابن الأعرابي : إن معنى العابدين الغضاب الآنفين وقال أبو عبيدة : معناه الجاحدين وحكي عبدني حقي : أي جحدني وقد أنشدوا على هذا المعنى الذي قالوه قول الفرزدق : .
( أولئك أحلاسي فجئني بمثلهم ... وأعبد أن أهجو كليبا بدارم ) .
وقوله أيضا : .
( أولاك أناس لو هجوني هجوتهم ... وأعبد أن يهجى كليب بدارم ) .
ولا شك أن عبد وأعبد بمعنى أنف أو غضب ثابت في لغة العرب وكفى بنقل هؤلاء الأئمة حجة ولكن جعل ما في القرآن من هذا من التكلف الذي لا ملجئ إليه ومن التعسف الواضح وقد رد ابن عرفة ما قالوه فقال : إنما يقال عبد يعبد فهو عبد وقل ما يقال عابد والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ قرأ الجمهور { ولد } بالإفراد وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما { ولد } بضم الواو وسكون اللام