ولما ذكر سبحانه فيما سبق أن لأهل الشقاوة ظللا من فوقهم النار ومن تحتهم ظلل استدرك عنهم من كان من أهل السعادة فقال : 20 - { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية } وذلك لأن الجنة درجات بعضها فوق بعض ومعنى مبنية أنها مبنية بناء المنازل في إحكام أساسها وقوة بنائها وإن كانت منازل الدنيا ليست بشيء بالنسبة إليها { تجري من تحتها الأنهار } أي مت تحت تلك الغرف وفي ذلك كما لبهجتها وزيادة لرونقها وانتصاب { وعد الله } على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة لأن قوله { لهم غرف } في معنى وعدهم الله بذلك وجملة { لا يخلف الله الميعاد } مقررة للوعد : أي لا يخلف الله ما وعد به الفريقين من الخير والشر .
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم } الآية قال : هم الكفار الذين خلقهم الله للنار زالت عنهم الدنيا وحرمت عليهم الجنة وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : { خسروا أنفسهم وأهليهم } قال : أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدوا لهم لو عملوا بطاعة الله فغيبوهم وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : كان سعيد بن زيد وأبو ذر وسلمان يتبعون في الجاهلية أحسن القول والكلام لا إله إلا الله قالوا بها فأنزل الله على نبيه { يستمعون القول فيتبعون أحسنه } الآية وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد : [ قال لما نزل { فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } أرسل رسول الله A مناديا فنادى : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فاستقبل عمر الرسول فرده فقال : يا رسول الله خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون فقال رسول الله A : لو يعلم الناس قدر رحمة ربي لاتكلوا ولو يعلمون قدر سخط ربي وعقابه لاستصغروا أعمالهم ] وهذا الحديث أصله في الصحيح من حديث أبي هريرة