ثم إن الله سبحانه سأله عن سبب تركه للسجود الذي أمره به فـ 75 - { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } أي ما صرفك وصدك عن السجود لما توليت خلقه من غير واسطة وأضاف خلقه إلى نفسه تكريما له وتشريفا مع أنه سبحانه خالق كل شيء أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد قال مجاهد : اليد هنا بمعنى التأكيد والصلة مجازا كقوله : { ويبقى وجه ربك } وقيل أراد باليد القدرة يقال : مالي بهذا الأمر يد ومالي به يدان : أي قدرة ومنه قول الشاعر : .
( تحملت من ذلفاء ما ليس لي يد ... ولا للجبال الراسيات يدان ) .
وقيل التثنية في اليد للدلالة على أنها ليس بمعنى القوة والقدرة بل للدلالة على أنهما صفتان من صفات ذاته سبحانه و ما في قوله لما خلقت هي المصدرية أو الموصولة وقرأ الجحدري لما بالتشديد مع فتح اللام على أنها ظرف بمعنى حين كما قال أبو علي الفارسي وقرئ بيدي على الإفراد { أستكبرت } قرأ الجمهور بهمزة الاستفهام وهو استفهام توبيخ وتقريع و { أم } متصلة وقرأ ابن كثير في رواية عنه وأهل مكة بألف وصل ويجوز أن يكون الاستفهام مرادا فيوافق القراءة الأولى كما في قول الشاعر : .
( تروح من الحي أم تبتكر ) .
وقول الآخر : .
( بسبع رمين الجمر أم بثمانيا ) .
ويحتمل أن يكون خبرا محضا من غير إرادة للاستفهام فتكون أم منقطعة والمعنى : استكبرت عن السجود الذي أمرت به بل أ { كنت من العالين } أي المستحقين للترفع عن طاعة أمر الله المتعالين عن ذلك وقيل المعنى : استكبرت عن السجود الآن أم لم تزل من القوم الذين يتكبرون عن ذلك