4 - { قال رب إني وهن العظم مني } هذه الجملة مفسرة لقوله : نادي ربه يقال وهن يهن وهنا إذا ضعف فهو واهن وقرئ بالحركات الثلاث أراد أن عظامه فترت وضعفت قوته وذكر العظم لأن عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه فإذا وهن تداعي وتساقطت قوته ولأن أشد ما في الإنسان صلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحد العظم قاصدا إلى الجنس المفيد لشمول الوهن لكل فرد من أفراد العظام { واشتعل الرأس شيبا } قرأ أبو عمرو بإدغام السين في الشين والباقون بعدمه والاشتعال في الأصل انتشار شعاع النار فشبه به انتشار بياض شعر الرأس في سواده بجامع البياض والإنارة ثم أخرجه مخرج الإستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به وأداة التشبيه وهذه الاستعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها قال الزجاج : يقال للشيب إذا كثر جدا قد اشتعل رأس فلان وأنشد للبيد : .
( فإن ترى رأس أمسى واضحا ... سلط الشيب عليه فاشتعل ) .
وانتصاب شيبا على التمييز قاله الزجاج وقال الأخفش : انتصابه على المصدر لأن معنى اشتعل شاب قال النحاس : قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل والمصدرية أظهر فيما كان كذلك وكان الأصل اشتعل شيب رأسي فأسند الإشتعال إلى الرأس لإفادة الشمول { ولم أكن بدعائك رب شقيا } أي لم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من الأوقات بل كلما دعوتك استجبت لي .
قال العلماء : يستحب المرء أن يجمع في دعائه بين الخضوع وذكر نعم الله عليه كما فعل زكرياء ها هنا فإن في قوله : { وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا } غاية الخضوع والتذلل وإظهار الضعف والقصور عن نيل مطالبه وبلوغ مآربه وفي قوله : { ولم أكن بدعائك رب شقيا } ذكر ما عوده الله من الإنعام عليه بإجابة أدعيته يقال شقي بكذا أي تعب فيه ولم يحصل مقصوده منه