@ 160 @ النار ويدخل الجنة فإنه لم يفز بل قد شقي الشقاء الأبدي وابتلي بالعذاب السرمدي | وفي هذه الآية إشارة لطيفة إلى نعيم البرزخ وعذابه وأن العاملين يجزون فيه بعض الجزاء مما عملوه ويقدم لهم أنموذج مما أسلفوه يفهم هذا من قوله : ! 2 < وإنما توفون أجوركم يوم القيامة > 2 ! أي : توفية الأعمال التامة إنما يكون يوم القيامة وأما ما دون ذلك فيكون في البرزخ بل قد يكون قبل ذلك في الدنيا كقوله : ! 2 < ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر > 2 ! | ( 186 ) ! 2 < لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور > 2 ! يخبر تعالى ويخاطب المؤمنين أنهم سيبتلون في أموالهم من النفقات الواجبة والمستحبة من التعريض لإتلافها في سبيل الله وفي أنفسهم من التكليف بأعباء التكاليف الثقيلة على كثير من الناس كالجهاد في سبيل الله والتعرض فيه للتعب والقتل والأسر والجراح وكالأمراض التي تصيبه في نفسه أو فيمن يحب | ! 2 < ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا > 2 ! من الطعن فيكم وفي دينكم وكتابكم ورسولكم | وفي إخباره لعباده المؤمنين بذلك عدة فوائد : منها : أن حكمته تعالى تقتضي ذلك ليتميز المؤمن الصادق من غيره | ومنها : أنه تعالى يقدر عليهم هذه الأمور لما يريده بهم من الخير ليعلي درجاتهم ويتم به إيقانهم فإنه إذا أخبرهم بذلك ووقع كما أخبر ! 2 < قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما > 2 ! | ومنها : أنه أخبرهم بذلك لتتوطن نفوسهم على وقوع ذلك والصبر عليه إذا وقع ؛ لأنهم قد استعدوا لوقوعه فيهون عليهم حمله وتخف عليهم مؤنته ويلجأون إلى الصبر والتقوى ولهذا قال : ! 2 < وإن تصبروا وتتقوا > 2 ! أي : إن تصبروا على ما نالكم في أموالكم وأنفسكم من الابتلاء والامتحان وعلى أذية الظالمين وتتقوا الله في ذلك الصبر بأن تنووا به وجه الله والتقرب إليه ولم تتعدوا في صبركم الحد الشرعي من الصبر في موضع لا يحل لكم فيه الاحتمال بل وظيفتكم فيه الانتقام من أعداء الله | ! 2 < فإن ذلك من عزم الأمور > 2 ! أي : من الأمور التي يعزم عليها وينافس فيها ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية كما قال تعالى : ^ ( وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقها إلا ذو حظ عظيم ) ^ | ( 187 - 188 ) ^ ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون * لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير ) ^ الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على كل من أعطاه [ الله ] الكتب وعلمه العلم أن يبين للناس ما يحتاجون إليه مما علمه الله ولا يكتمهم ذلك ويبخل عليهم به خصوصا إذا سألوه أو وقع ما يوجب ذلك فإن كل من عنده علم يجب عليه في تلك الحال أن يبينه ويوضح الحق من الباطل | فأما الموفقون فقاموا بهذا أتم القيام وعلموا الناس مما علمهم الله ابتغاء مرضاة ربهم وشفقة على الخلق وخوفا من إثم الكتمان | وأما الذين أوتو الكتاب من اليهود والنصارى ومن شابههم فنبذوا هذه العهود والمواثيق وراء ظهورهم فلم يعبأوا بها فكتموا الحق وأظهروا الباطل تجرؤوا على محارم الله وتهاونوا بحقوقه تعالى وحقوق الخلق واشتروا بذلك الكتمان ثمنا قليلا وهو ما يحصل لهم إن حصل من بعض الرياسات والأموال الحقيرة من سفلتهم المتبعين أهواءهم المقدمين شهواتهم على الحق ! 2 < فبئس ما يشترون > 2 ! لأنه أخس العوض والذي رغبوا عنه - وهو بيان الحق الذي فيه السعادة الأبدية والمصالح الدينية والدنيوية - أعظم المطالب وأجلها فلم يختاروا الدين الخسيس ويتركوا العالي النفيس إلا لسوء حظهم وهوانهم وكونهم لا يصلحون لغير ما خلقوا له | ثم قال تعالى : ! 2 < لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا > 2 ! أي : من القبائح والباطل القولي والفعلي | ! 2 < ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا > 2 ! أي : بالخير الذي لم يفعلوه والحق الذي لم يقولوه فجمعوا بين فعل الشر وقوله والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه | ! 2 < فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب > 2 ! أي : بمحل نجوة منه وسلامة بل قد استحقوه وسيصيرون إليه ولهذا قال : ! 2 < ولهم عذاب أليم > 2 ! | ويدخل في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم ولم ينقادوا للرسول وزعموا أنهم المحقون في حالهم ومقالهم وكذلك كل من ابتدع بدعة قوليه أو فعلية وفرح بها ودعا إليها وزعم