@ 382 @ .
فبهذا تعلم : أن في قوله تعالى في هذه الآية التي هي قوله : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ } الوجهين المذكورين . فعلى الأول فالمعنى أجهل الذين مكروا السيئات وعيد الله بالعقاب ؟ أفأمن الذين مكروا السيئات الخ . وعلى الثاني فالمعنى فأأمن الذين مكروا السيئات . فالفاء عاطفة للجملة المصدرة بالاستفهام . والأول هو الأظهر . والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن } . تقدم بيان هذه الآية وأمثالها من الآيات في ( سورة الرعد ) . قوله تعالى : { وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلاهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلاهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ } . نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة جميع البشر عن أن يعبدوا إلهاً آخر معه ، وأخبرهم أن المعبود المستحق لأن يعبد وحده واحد ، ثم أمرهم أن يرهبوه أي يخافون وحده . لأنه هو الذي بيده الضر والنفع ، لا نافع ولا ضار سواه . .
وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة . كقوله : { فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِلَاهاً ءَاخَرَ إِنِّء لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ، وقوله : { الَّذِى جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَاهاً ءَاخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِى الْعَذَابِ الشَّدِيدِ } وقوله : { لاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَاهًا ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً } ، وقوله : { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَاهًا ءَاخَرَ فَتُلْقَى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا } . .
وبين جل وعلا في مواضع أخر : استحالة تعدد الآلهة عقلاً . كقوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا } ، وقوله : { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَاهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } وقوله : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً } . والآيات بعبادته وحده كثيرة جداً ، فلا نطيل بها الكلام . وقدم المفعول في قوله : { فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ } للدلالة على الحصر . وقد تقرر في الأصول في مبحث ( مفهوم المخالفة ، وفي المعاني في مبحث القصر ) ( أن تقديم المعمول من صيغ الحصر ) أي خافون وحدي ولا تخافوا سواي . وهذا الحصر المشار إليه هنا بتقديم المعمول بينه جل وعلا في ( مواضع أخر . كقوله : { فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } ) ، وقوله : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ } .