@ 175 @ في هذه الآية الكريمة : أن من عمل عملاً يريد به الحياة الدنيا أعطاه جزاء عمله في الدنيا ، وليس له في الآخرة إلا النار . .
ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الشورى : { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى الاٌّ خِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } ولكنه تعالى يبين في سورة بني إسرائيل تعليق ذلك على مشيئته جل وعلا بقوله : { مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } وقد أوضحنا هذه المسألة غاية الإيضاح في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في الكلام على هذه الآية الكريمة ، ولذلك اختصرناها هنا . قوله تعالى : { وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الاٌّ حْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } . صرح تعالى في هذه الآية الكريمة : أن هذا القرآن لا يكفر به أحد كائناً من كان إلا دخل النار . وهو صريح في عموم رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق . والآيات الدالة على ذلك كثيرة ، كقوله تعالى { وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءَانُ لاٌّ نذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } ، وقوله : { تَبَارَكَ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } ، وقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } . وقوله : { قُلْ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } . قوله تعالى : { فَلاَ تَكُ فِى مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } . نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن الشك في هذا القرآن العظيم ، وصرح أنه الحق من الله . والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة جداً كقوله { الم ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } وقوله : { الم تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } ونحو ذلك من الآيات . والمرية : الشك . قوله تعالى : { وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } . صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأن أكثر الناس لا يؤمنون ، وبين ذلك أيضاً في مواضع كثيرة ، كقوله { وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } وقوله { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الاٌّ رْضِ يُضِلُّوكَ } ، وقوله : { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الاٌّ وَّلِينَ } ، وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } إلى غير ذلك من الآيات . ! 7 < { أُولَائِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِى الاٌّ رْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ * أُوْلَائِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الاٌّ خِرَةِ هُمُ الاٌّ خْسَرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالاٌّ عْمَى وَالاٌّ صَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْى وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } > 7 ! قوله تعالى : { يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ } . بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أن الكفار الذين يصدون الناس عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ، يضاعف لهم العذاب يوم القيامة ، لأنهم يعذبون على ضلالهم ، ويعذبون أيضاً على إضلالهم غيرهم ، كما أوضحه تعالى بقوله : { الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } . .
وبين في موضع آخر . أن العذاب يضاعف للأتباع والمتبوعين ، وهو قوله في الأعراف { حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لاٍّ ولَاهُمْ رَبَّنَا هَاؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَأاتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ } . قوله تعالى : { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } . في هذه الآية الكريمة للعلماء أوجه ، بعضها يشهد له القرآن : .
الأول وهو اختيار ابن جرير الطبري في تفسيره ، ونقله عن ابن عباس وقتادة : أن معنى { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ } أنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع ، ولا أن يبصروه إبصار مهتد ، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين عن استعمال جوارحهم في طاعة الله تعالى ، وقد كانت لهم أسماع وأبصار . .
ويدل لهذا قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَىْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِأايَاتِ اللَّهِ } . .
الثاني وهو أظهرها عندي : أن عدم الاستطاعة المذكور في الآية إنما هو للختم الذي ختم الله على قلوبهم وأسماعهم ، والغشاوة التي جعل على أبصارهم . .
ويشهد لهذا القول قوله تعالى : { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } ، وقوله : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْراً } ونحو ذلك من الآيات . .
وذلك الختم والأكنة على القلوب جزاء من الله تعالى لهم على مبادرتهم إلى الكفر