@ 158 @ يعرف بعضهم بعضاً فيعرف الآباء الأبناء ، كالعكس ، ولكنه بين في مواضع أخر أن هذه المعارفة لا أثر لها ، فلا يسأل بعضهم بعضاً شيئاً ، كقوله : { وَلاَ يَسْألُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ } ، وقوله : { فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } . .
وقد بينا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) أيضاً : وجه الجمع بين قوله : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } ، وبين قوله : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } ، في سورة : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } : أيضاً . .
قوله تعالى : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } . صرح تعالى في هذه الآية الكريمة : بخسران المكذبين بلقائه ، وأنهم لم يكونوا مهتدين ، ولم يبين هنا المفعول به لقوله خسر ، وذكر في مواضع كثيرة أسباباً من أسباب الخسران ، وبين في مواضع أخر المفعول المحذوف هنا ، فمن الآيات المماثلة لهذه الآية ، قوله تعالى في ( الأنعام ) : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ ياحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا } ، وقوله تعالى في ( البقرة ) : { الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الاٌّ رْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ، وقوله في ( البقرة ) أيضاً : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَائِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ، وقوله في ( الأعراف ) : { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } ، وقوله في ( الأعراف ) أيضاً : { مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِى وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ، وقوله في ( الزمر ) : { لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِأايَاتِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } . .
والآيات في مثل هذا كثيرة ، وقد أقسم تعالى على أن هذا الخسران لا ينجو منه إنسان إلا بأربعة أمور : .
الأول : الإيمان . .
الثاني : العمل الصالح . .
الثالث : التواصي بالحق . .
الرابع : التواصي بالصبر . .
وذلك في قوله : { وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ } إلى آخر السورة الكريمة . وبين في مواضع أخر ،