@ 136 @ قال : ( في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البز صدقته ) الحديث : أخرجه الحاكم ، والدارقطني ، والبيهقي . .
وقال النووي في ( شرح المهذب ) هذا الحديث رواه الدارقطني ، في سننه والحاكم أبو عبد الله ، في ( المستدرك ) والبيهقي ، بأسانيدهم ، ذكره الحاكم ، بإسنادين : ثم قال : هذان الإسنادان صحيحان على شرط البخاري ومسلم ، اه . قال مقيده : عفا الله عنه ما قاله الحافظ البيهقي ، رحمه الله تعالى من أن الحكم برواية عافية المذكور لهذا الحديث مرفوعاً من جنس الاحتجاج برواية الكذابين فيه نظر . لأن عافية المذكور لم يقل فيه أحد إنه كذاب ، وغاية ما في الباب أن البيهقي ظن أنه مجهول ، لأنه لم يطلع على كونه ثقة ، وقد اطلع غيره على أنه ثقة فوثقه ، فقد نقل ابن أبي حاتم توثيقه ، عن أبي زرعة . قال ابن حجر في ( التلخيص ) : عافية بن أيوب قيل ضعيف ، وقال ابن الجوزي : ما نعلم فيه جرحاً ، وقال البيهقي ، مجهول ، ونقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة . .
ولا يخفى أن من قال إنه مجهول يقدم عليه من قال إنه ثقة : لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه مدعي أنه مجهول ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والتجريح لا يقبل مع الإجمال . فعافية هذا وثقه أبو زرعة ، والتعديل والتجريح يكفي فيهما واحد على الصحيح في الرواية دون الشهادة . قال العراقي في ألفيته : ولا يخفى أن من قال إنه مجهول يقدم عليه من قال إنه ثقة : لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه مدعي أنه مجهول ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والتجريح لا يقبل مع الإجمال . فعافية هذا وثقه أبو زرعة ، والتعديل والتجريح يكفي فيهما واحد على الصحيح في الرواية دون الشهادة . قال العراقي في ألفيته : % ( وصححوا اكتفاءهم بالواحد % جرحا ، وتعديلا خلاف الشاهد ) % .
والتعديل يقبل مجملاً بخلاف الجرح للاختلاف في أسبابه . .
قال العراقي في ألفيته : قال العراقي في ألفيته : % ( وصححوا قبول تعديل بلا % ذكر لأسباب له أن تنقلا ) % % ( ولم يروا قبول جرح أبهما % للخلف في أسبابه وربما ) % % ( استفسر الجرح فلم يقدح كما % فسره شعبة بالركض فما ) % % ( هذا الذي عليه حفاظ الأثر % كشيخي الصحيح مع أهل النظر ) % .
الخ . . . .
وهذا هو الصحيح : فلا شك أن قول البيهقي في عافية : إنه مجهول أولى منه بالتقديم قول أبي زرعة . إنه ثقة . لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، وإذا ثبت الاستدلال بالحديث المذكور ، فهو نص في محل النزاع . .
ويؤيد ما ذكر من توثيق عافية المذكور أن ابن الجوزي مع سعة اطلاعه ، وشدة بحثه عن الرجال . قال : إنه لا يعلم فيه جرحاً . .
وأما الآثار الدالة على ذلك : فمنها ما رواه الإمام مالك في ( الموطإ ) عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ( أن عائشة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي ، فلا تخرج من حليهن الزكاة ) ، وهذا الإسناد عن عائشة في غاية الصحة ، كما ترى . .
ومنها ما رواه مالك في ( الموطإ ) أيضاً ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أنه كان يحلي بناته وجواريه الذَّهب ، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة . وهذا الإسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما في غاية الصحة كما ترى . .
وما قاله بعض أهل العلم من أن المانع من الزكاة في الأول أنه مال يتيمة ، وأنه لا تجب الزكاة على الصبي ، كما لا تجب عليه الصلاة . مردود بأن عائشة ترى وجوب الزكاة في أموال اليتامى ، فالمانع من إخراجها الزكاة . كونه حلياً مباحاً على التحقيق . لا كونه مال يتيمة ، وكذلك دعوى أن المانع لابن عمر من زكاة الحلي أنه لجوار مملوكات . وأن المملوك لا زكاة عليه مردود أيضاً بأنه كان لا يزكي حلي بناته مع أنه كان بزوج البنت له على ألف دينار يحليها منها بأربعمائة ، ولا يزكي ذلك الحلي ، وتركه لزكاته لكونه حلياً مباحاً على التحقيق . .
ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه الشافعي ، أنا سفيان ، عن عمرو بن دينار سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي فقال ( زكاته عاريته ) ذكره البيهقي في ( السنن الكبرى ) ، وابن حجر في ( التلخيص ) وزاد البيهقي فقال : وإن كان يبلغ ألف دينار فقال جابر كثير . .
ومنها ما رواه البيهقي عن علي بن سليم قال : سألت أنس بن مالك عن الحلي ، فقال : ليس فيه زكاة . .
ومنها ما رواه البيهقي ، عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلى بناتها الذهب ولا تزكيه نحواً من خمسين ألفاً . .
وأما القياس فمن وجهين : .
الأول : أن الحلي لما كان لمجرد الاستعمال لا للتجارة والتنمية . الحق بغيره من الأحجار النفيسة كاللؤلؤ والمرجان ، بجامع أن كلا معد للاستعمال لا للتنمية . وقد أشار إلى هذا الإلحاق مالك رحمه الله في ( الموطإ ) بقوله : فأما التبر والحليّ المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه ، فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله ، فليس على أهله فيه زكاة ، قال مالك : ليس في اللؤلؤ . ولا في المسك والعنبر زكاة . .
الثاني من وجهي القياس : هو النوع المعروف بقياس العكس ، وأشار له في ( مراقي السعود ) بقوله في كتاب الاستدلال . الثاني من وجهي القياس : هو النوع المعروف بقياس العكس ، وأشار له في ( مراقي السعود ) بقوله في كتاب الاستدلال . % ( منه قياس المنطقي والعكس % ومنه فقد الشرط دون لبس ) % .
وخالف بعض العلماء في قبول هذا النوع من القياس ، وضابطه : هو إثبات عكس حكم شيء لشيء آخر لتعاكسهما في العلة ، ومثاله . حديث مسلم : ( أيأتي أحدنا شهوته يكون وله فيها أجر ؟ ا قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ) الحديث ، فإن النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : أثبت في الجماع المباح أجراً ، وهو حكم عكس حكم الجماع الحرام ، لأن فيه الوزر . لتعاكسهما في العلة . لأن علة الأجر في الأول إعفاف امرأته ونفسه . وعلة الوزر في الثاني كونه زنى . .
ومن أمثلة هذا النوع من القياس عند المالكية : احتجاجهم على أن الوضوء لا يجب من كثير القيء . بأنه لما لم يجب من قليله لم يجب من كثيره عكس البول . لما وجب من قليله وجب من كثيره . .
ومن أمثلته عند الحنفية . قولهم : لما لم يجب القصاص من صغير المثقل . لم يجب من كبيره عكس المحدد لما وجب من صغيره وجب من كبيره . .
ووجه هذا النوع من القياس في هذه المسألة التي نحن بصددها . هو أن العروض لا تجب في عينها الزكاة ، فإذا كانت للتجارة والنماء . وجبت فيها الزكاة ، عكس العين : فإن الزكاة واجبة في عينها ، فإذا صيغت حلياً مباحاً للاستعمال ، وانقطع عنها قصد التنمية بالتجارة ، صارت لا زكاة فيها ، فتعاكست أحكامها لتعاكسهما في العلة ، ومنع هذا النوع من القياس بعض الشافعية ، وقال ابن محرز : إنه أضعف من قياس الشبه ، ولا يخفى أن القياس يعتضد به ما سبق من الحديث المرفوع ، والآثار الثابتة عن بعض الصحابة ، لما تقرر في الأصول ، من أن موافقة النص للقياس من المرجحات ، وأما وضع اللغة ، فإن بعض العلماء يقول : الألفاظ الواردة في الصحيح ، في زكاة العين لا تشمل الحلي في لسان العرب . .
قال أبو عبيد : الرقة عند العرب : الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس ، ولا تطلقها العرب على المصوغ ، وكذلك قيل في الأوقية . .
قال مقيده : عفا الله عنه ما قاله أبو عبيد هو المعروف في كلام العرب ، قال الجوهري في صحاحه : الورق الدراهم المضروبة ، وكذلك الرقة ، والهاء ، عوض عن الواو ، وفي القاموس : الورق مثلثة ، وككتف : الدراهم المضروبة ، وجمعه أوراق ووراق كالرقة . .
هذا هو حاصل حجة من قال : لا زكاة في الحليّ . .
وما ادعاه بعض أهل العلم من الاحتجاج لذلك بعمل أهل المدينة ، فيه أن بعض أهل المدينة مخالف في ذلك ، والحجة بعمل أهل المدينة عند من يقول بذلك ، ك ( مالك ) ، إنما هي في إجماعهم على أمر لا مجال للرأي فيه ، لا إن اختلفوا ، أو كان من مسائل الاجتهاد ، كما أشار له في ( مراقي السعود ) بقوله : وما ادعاه بعض أهل العلم من الاحتجاج لذلك بعمل أهل المدينة ، فيه أن بعض أهل المدينة مخالف في ذلك ، والحجة بعمل أهل المدينة عند من يقول بذلك ، ك ( مالك ) ، إنما هي في إجماعهم على أمر لا مجال للرأي فيه ، لا إن اختلفوا ، أو كان من مسائل الاجتهاد ، كما أشار له في ( مراقي السعود ) بقوله : % ( وأوجبن حجية للمدني % فيما على التوقيف أمره بني ) % .
وقيل مطلقاً . . ! الخ . .
لأن مراده بالمدني : الإجماع المدني الواقع من الصحابة ، أو التابعين ، لا ما اختلفوا فيه كهذه المسألة ، وقيده بما بني على التوقيف دون مسائل الاجتهاد في القول الصحيح . .
وأما حجة القائلين بأن الحلي تجب فيه الزكاة : فهي منحصرة في أربعة أمور أيضاً : .
الأول : أحاديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الزكاة في الحلي . .
الثاني : آثار وردت بذلك عن بعض الصحابة . .
الثالث : وضع اللغة . .
الرابع : القياس . .
أما الأحاديث الواردة بذلك . فمنها ما رواه أبو داود في سننه ، حدثنا أبو كامل ، وحميد بن مسعدة . ( المعنى ) أن خالد بن الحارث حدثهم : ثنا حسين ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : ( أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعها ابنة لها ، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب ، فقال لها : أتعطين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ ا قال : فخلعتهما ، فألقتهما إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : هما لله عز وجل ولرسوله ) . .
وقال النسائي في سننه : أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال حدثنا خالد ، عن حسين ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ( أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت لها ، في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال : ( أتؤدين زكاة هذا ؟ ) قالت : لا قال : ( أيسرك أن يسوِّرك الله عز وجل بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ ا ) قال : فخلعتهما ، فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . .
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت حسيناً قال : حدثني عمرو بن شعيب قال جاءت امرأة ، ومعها بنت لها ، وفي يد ابنتها مسكتان . نحوه مرسل . قال أبو عبد الرحمن : خالد أثبت من المعتمر . اه . .
وهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب : أقل درجاته الحسن ، وبه تعلم أن قول الترمذي رحمه الله : لا يصح في الباب شيء . غير صحيح . لأنه لم يعلم برواية حسين المعلم له عن عمرو بن شعيب . بل جزم بأنه لم يرو عن عمرو بن شعيب إلا من طريق ابن لهيعة ، والمثنى بن الصباح ، وقد تابعهما حجاج بن أرطاة والجميع ضعاف . .
ومنها ما رواه أبو داود أيضاً ، حدثنا محمد بن عيسى . ثنا عتاب يعني ابن بشير عن ثابت بن عجلان ، عن عطاء ، عن أم سلمة قالت : كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت : يا رسول الله أكنز هو ؟ فقال : ( ما بلغ أن تؤدي زكاته ، فزكي فليس بكنز ) ، وأخرج نحوه الحاكم ، والدارقطني ، والبيهقي . اه . .
ومنها ما رواه أبو داود أيضاً ، حدثنا محمد بن إدريس الرازي ، ثنا عمرو بن الربيع بن طارق ، ثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر : أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال : دخلنا على عائشة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يديَّ فتخات من ورق ، فقال : ( ما هذا يا عائشة ؟ ا ) فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله ، قال : ( أتؤدِّين زكاتهن ؟ ) قلت : لا ، أو ما شاء الله ، قال : ( هو حسبك من النار ) . .
حدثنا صفوان بن صالح ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا سفيان عن عمر بن يعلى ، فذكر الحديث نحو حديث الخاتم ، قيل لسفيان كيف تزكيه ؟ قال : تضمه إلى غيره . اه . .
وحديث عائشة هذا أخرج نحوه أيضاً الحاكم ، والدارقطني ، والبيهقي . اه . .
وأخرج الدارقطني ، عن عائشة من طريق عمرو بن شعيب ، عن عروة عنها قالت : لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته . اه . .
قال البيهقي رحمه الله : وقد انضم إلى حديث عمرو بن شعيب حديث أم سلمة . وحديث عائشة ، وساقهما . .
ومنها ما رواه الإمام أحمد ، عن أسماء بنت يزيد بلفظ قالت : ( دخلت أنا وخالتي على النَّبي صلى الله عليه وسلم ، وعلينا أساور من ذهب فقال لنا : ( أتعطيان زكاته ؟ ) فقلنا : لا ، قال : ( أما تخافان أن يسوركما الله بسوار من نار ؟ ا أديا زكاته ) . اه . .
وروى الدارقطني نحوه من حديث فاطمة بنت قيس ، وفي سنده أبو بكر الهذلي ، وهو متروك ، اه . قاله ابن حجر في ( التلخيص ) . .
وأما الآثار : فمنها ما رواه ابن أبي شيبة ، والبيهقي من طريق شعيب بن يسار قال : كتب عمر إلى أبي موسى : أن مُرْ مَنْ قِبَلَكَ من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهنَّ . اه . .
قال البيهقي : هذا مرسل شعيب بن يسار لم يدرك عمر . اه . .
وقال ابن حجر في ( التلخيص ) : وهو مرسل . قاله البخاري ، وقد أنكر الحسن ذلك فيما رواه ابن أبي شيبة قال : لا نعلم أحداً من الخلفاء قال : ( في الحليّ زكاة ) . .
ومنها ما رواه الطبراني ، والبيهقي ، عن ابن مسعود : أن امرأته سألته ، عن حلي لها ، فقال : إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة ، قالت : أضعها في بني أخ لي في حجري ؟ قال : نعم . .
قال البيهقي : وقد روي هذا مرفوعاً إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ، وليس بشيء ، وقال : قال البخاري : مرسل ، ورواه الدارقطني من حديث ابن مسعود مرفوعاً ، وقال : هذا وهم والصواب موقوف . قاله ابن حجر في ( التلخيص ) . .
ومنها ما رواه البيهقي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أنه كان يكتب إلى خازنه سالم ، أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة ، وما روي من ذلك عن ابن عباس ، قال الشافعي . لا أدري أيثبت عنه أم لا ؟ وحكاه ابن المنذر ، والبيهقي ، عن ابن عباس ، وابن عمر . وغيرهما . قاله في ( التلخيص ) أيضاً . .
وأما القياس : فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك ، بجامع أن الجميع نقد . .
وأما وضع اللغة : فزعموا أن لفظ الرقة ، ولفظ الأوقية الثابت في الصحيح يشمل المصوغ كما يشمل المسكوك ، وقد قدمنا أن التحقيق خلافه . .
فإذا علمت حجج الفريقين ، فسنذكر لك ما يمكن أن يرجع به كل واحد منهما . .
أما القول بوجوب زكاة الحلي . فله مرجحات : .
منها : أن من رواه من الصحابة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أكثر ، كما قدمنا روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعائشة ، وأم سلمة ، وأسماء بنت يزيد ، رضي الله عنهم . .
أما القول بعدم وجوب الزكاة فيه ، فلم يرو مرفوعاً إلا من حديث جابر ، كما تقدم . .
وكثرة الرواة ، من المرجحات على التحقيق ، كما قدمنا في سورة ( البقرة ) في الكلام على آية الربا . .
ومنها : أن أحاديثه كحديث عمرو بن شعيب ، ومن ذكر معه ، أقوى سنداً من حديث سقوط الزكاة الذي رواه عافية بن أيوب . .
ومنها : أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة . للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب كما تقرر في الأصول ، وإليه الإشارة بقول صاحب ( مراقي السعود ) في مبحث الترجيح باعتبار المدلول . ومنها : أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة . للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب كما تقرر في الأصول ، وإليه الإشارة بقول صاحب ( مراقي السعود ) في مبحث الترجيح باعتبار المدلول . % ( وناقل ومثبت والآمر % بعد النواهي ثم هذا الآخر ) % .
على إباحة . . . . الخ . .
ومعنى قوله : ( ثم هذا الآخر على إباحة ) أن ما دل على الأمر مقدم على ما دل على الإباحة كما ذكرنا . .
ومنها : دلالة النصوص الصريحة على وجوب الزكاة في أصل الفضة ، والذهب ، وهي دليل على أن الحلي من نوع ما وجبت الزكاة في عينه ، هذا حاصل ما يمكن أن يرجح به هذا القول . .
وأما القول بعدم وجوب الزكاة في الحليّ المباح ، فيرجح بأن الأحاديث الواردة في التحريم إنما كانت في الزمن الذي كان فيه التحلي بالذهب محرماً على النساء ، والحلي المحرم تجب فيه الزكاة اتفاقاً . .
وأما أدلة عدم الزكاة فيه ، فبعد أن صار التحلي بالذهب مباحاً . .
والتحقيق : أن التحلي بالذهب كان في أول الأمر محرماً على النساء ثم أبيح ، كما يدل له ما ساقه البيهقي من أدلة تحريمه أولاً ، وتحليله ثانياً ، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة ، والجمع واجب إن أمكن كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث ، وإليه الإشارة بقول صاحب ( مراقي السعود ) . والتحقيق : أن التحلي بالذهب كان في أول الأمر محرماً على النساء ثم أبيح ، كما يدل له ما ساقه البيهقي من أدلة تحريمه أولاً ، وتحليله ثانياً ، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة ، والجمع واجب إن أمكن كما تقرر في الأصول وعلوم الحديث ، وإليه الإشارة بقول صاحب ( مراقي السعود ) . % ( والجمع واجب متى ما أمكنا % إلا فللأخير نسخ بينا ) % .
ووجهه ظاهر ، لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ، ومعلوم أن الجمع إذا أمكن أولى من جميع الترجيحات . .
فإن قيل : هذا الجمع يقدح فيه حديث عائشة المتقدم ، فإن فيه ( فرأى في يدي فتخات من ورق ) الحديث : .
والورق : الفضة ، والفضة لم يسبق لها تحريم ، فالتحلي بها لم يمتنع يوماً ما . .
فالجواب ما قاله الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى قال . من قال : لا زكاة في الحلي ، زعم أن الأحاديث والآثار الواردة في وجوب زكاته كانت حين كان التحلي بالذهب حراماً على النساء . فلما أبيح لهن سقطت زكاته . .
قال : وكيف يصح هذا القول مع حديث عائشة ، إن كان ذكر الورق فيه محفوظاً ، غير أن رواية القاسم ، وابن أبي مليكة ، عن عائشة في تركها إخراج زكاة الحلي ، مع ما ثبت من مذهبها من إخراج زكاة أموال اليتامى يوقع ريبة في هذه الرواية المرفوعة ، فهي لا تخالف النَّبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه ، إلا فيما علمته منسوخاً اه . .
وقد قدمنا في سورة ( البقرة ) الكلام على مخالفة الصحابي ، لما روي في آية الطلاق ، وبالجملة فلا يخفى أنه يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النَّبي لها بأنه حسبها من النار ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها ، مع أنها معروف عنها القول : بوجوب الزكاة في أموال اليتامى . .
ومن أجوبة أهل هذا القول : أن المراد بزكاة الحلي عاريته ، ورواه البيهقي ، عن ابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، في إحدى الروايتين عنه . .
هذا حاصل الكلام في هذه المسألة . .
وأقوى الوجوه بحسب المقرر في الأصول وعلم الحديث ، الجمع إذا أمكن ، وقد أمكن ، هنا : .
قال مقيده عفا الله عنه : وإخراج زكاة الحلي أحوط لأن ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) والعلم عند الله تعالى . .
المسألة الرابعة : اعلم أن جماهير علماء المسلمين من الصحابة ومن بعدهم على وجوب الزكاة في عروض التجارة ، فتقوم عند الحول ، ويخرج ربع عشرها كزكاة العين ، قال ابن المنذر : أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة ، قال : رويناه عن عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وابن عباس ، والفقهاء السبعة ، سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، وعروة بن الزبير ، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار ، والحسن البصري ، وطاوس ، وجابر بن زيد ، وميمون بن مهران ، والنخعي ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، والنعمان ، وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، اه : بواسطة نقل النووي في ( شرح المهذب ) ، وابن قدامة ، في ( المغني ) ، ولمالك رحمه الله ، تفصيل في عروض التجارة ، لأن عروض التجارة عنده تنقسم إلى عرض تاجر مدير ، وعرض تاجر محتكر ، فالمدير هو الذي يبيع ويشتري دائماً ، والمحتكر هو الذي يشتري السلع ويتربص بها حتى يرتفع سعرها فيبيعها ، وإن لم يرتفع سعرها لم يبعها ولم مكثت سنين . .
فعروض المدير عنده وديونه التي يطالب بها الناس إن كانت مرجوة يزكيها عند كل حول : والدين الحال يزكيه بالعدد . والمؤجل بالقيمة . .
أما عرض المحتكر فلا يقوم عنده ولا زكاة فيه حتى يباع بعين فيزكي العين على حول أصل العرض . وإلى هذا أشار ابن عاشر ، في ( المرشد المعين ) بقوله : أما عرض المحتكر فلا يقوم عنده ولا زكاة فيه حتى يباع بعين فيزكي العين على حول أصل العرض . وإلى هذا أشار ابن عاشر ، في ( المرشد المعين ) بقوله : % ( والعرض ذو التجر ودين من أدار % قيمتها كالعين ثم ذو احتكار ) % % ( زكى لقبض ثمن أو دين % عينا بشرط الحول للأصلين ) % .
زاد مالك في مشهور مذهبه شرطاً ، وهو أنه يشترط في وجوب تقويم عروض المدير أن يصل يده شيء ناص من ذات الذهب أو الفضة ، ولو كان ربع درهم أو أقل ، وخالفه ابن حبيب من أهل مذهبه ، فوافق الجمهور في عدم اشتراط ذلك . .
ولا يخفى أن مذهب الجمهور هو الظاهر ، ولم نعلم بأحد من أهل العلم خالف في وجوب زكاة عروض التجارة ، إلا ما يروى عن داود الظاهري ، وبعض أتباعه . .
ودليل الجمهور ، آية : وأحاديث : وآثار : وردت بذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم . ولم يعلم أن أحداً منهم خالف في ذلك ، فهو إجماع سكوتي . .
فمن الأحاديث الدالة على ذلك : ما رواه أبو ذر رضي الله عنه ، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البز صدقته ) الحديث : أخرجه الحاكم ، والدارقطني ، والبيهقي . .
وقال النووي في ( شرح المهذب ) هذا الحديث رواه الدارقطني ، في سننه والحاكم أبو عبد الله ، في ( المستدرك ) والبيهقي ، بأسانيدهم ، ذكره الحاكم ، بإسنادين : ثم قال : هذان الإسنادان صحيحان على شرط البخاري ومسلم ، اه . .
ثم قال : قوله : ( وفي البز صدقته ) هو بفتح الباء وبالزاي . هكذا رواه جميع الرواة ، وصرح بالزاي الدارقطني ، والبيهقي ، وقال ابن حجر في ( التلخيص ) : حديث أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( في الإبل صدقتها وفي البز صدقته ) أخرجه الدارقطني ، عن أبي ذر من طريقين ، وقال في آخره : وفي البز صدقته ، قالها بالزاي ، وإسناده غير صحيح مداره على موسى بن عبيدة الربذي ، وله عنده طريق ثالث من رواية ابن جريج ، عن عمران بن أبي أنس ، عن مالك بن أوس ، عن أبي ذر ، وهو معلول لأن ابن جريج ، رواه عن عمران : أنه بلغه عنه ، ورواه الترمذي في العلل من هذا الوجه وقال : سألت البخاري عنه فقال : لم يسمعه ابن جريج من عمران ، وله طريقة رابعة ، رواه الدارقطني أيضاً ، والحاكم ، من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن عمران ، ولفظه ( في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البز صدقته ) ومن رفع دراهم أو دنانير لا يعدها لغريم . ولا ينفقها في سبيل الله ، فهو كنز يكوى به يوم القيامة ، وهذا إسناد لا بأس به ، اه . .
فترى ابن حجر قال : إن هذا الإسناد لا بأس به مع ما قدمنا عن الحاكم من صحة الإسنادين المذكورين ، وتصحيح النووي لذلك والذي رأيته في سنن البيهقي : أن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام يروي الحديث عن موسى المذكور ، عن عمران ، لا عن عمران مباشرة فانظره . .
فإن قيل قال ابن دقيق العيد : الذي رأيته في نسخة من ( المستدرك ) في هذا الحديث : البر بضم الموحدة وبالراء المهملة ، ورواية الدارقطني : التي صرح فيها بالزاي في لفظة البز في الحديث ضعيفة ، وإذن فلا دليل في الحديث على تقرير صحته على وجوب زكاة عروض التجارة . .
فالجواب هو ما قدمنا عن النووي ، من أن جميع رواته رووه بالزاي ، وصرح بأنه بالزاي البيهقي ، والدارقطني ، كما تقدم . .