@ 163 @ : ومعلوم أن الحسد أشد خفاء ، لأنه عمل نفسي وأثر قلبي ، وقد قيل فيه : إنه كإشعاع غير مرئي ، ينتقل من قلب الحاسد إلى المحسود ، عند تحرقه بقلبه على المحسود ، وقد شبه حسد الحاسد بالنار في قولهم : % ( اصبر على مضض الحسود % فإن صبرك قاتله ) % % ( كالنار تأكل بعضها % إن لم تجد ما تأكله ) % .
وقد أنكر بعض الفلاسفة وقوع الحسد ، حيث إنه غير مشاهد وهم محجوجون بكل موجود غير مشاهد ، كالنفس والروح والعقل . .
وقد شوهدت اليوم أشعة ( إكس ) وهي غير مرئية ، ولكنها تنقذ إلى داخل الجسم من إنسان وحيوان ، بل وخشب ونحوه . ولا يردها إلاَّ مادة الرصاص لكثافة معدنه ، فتصور داخل جسم الإنسان من عظام وأمعاء وغيرها ، فلا معنى لرد شيء لعدم رؤيته . .
تنبيه .
قد أطلق الحسد هنا ولم يبين المحسود عليه ، ما هو مع أنه كما تقدم زوال النعمة عن الغير . .
وقد نبه القرآن الكريم على أعظم النعمة التي حسد عليها المسلمون عامة ، والرسول صلى الله عليه وسلم خاصة ، وهي نعمة الإسلام ونعمة الوحي وتحصيل الغنائم . .
فأهل الكتاب حسدوا المسلمين على الإسلام في قوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } . .
والمشركون حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نعمة الوحي إليه ، كما في قوله تعالى : { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } . .
والناس هنا عام أريد به الخصوص ، وهو النَّبي صلى الله عليه وسلم ، كما في قوله تعالى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } . .
فالناس الأولى عام أريد به خصوص رجل واحد ، وهو نعيم ابن مسعود الأشجعي . .
ومما جاء فيه الحسد عن نعمة متوقعة . قوله تعالى : { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } .