@ 44 @ .
وحادثة شق الصدر في رضاعه ، بل وقيل ذلك في قصة أبيه عبد اللَّه ، لما تعرضت له المرأة تريده لنفسها ، فأبى . ولما تزوج ودخل بآمنة أم النَّبي صلى الله عليه وسلم لقيها بعد ذلك ، فقالت له : لا حاجة لي بك ، فقال : وكيف كنت تتعرضين لي ؟ فقالت : رأيت نورًا في وجهك ، فأحببت أن يكون لي ، فلما تزوجت وضعته في آمنة ولم أره فيك الآن ، فلا حاجة لي فيك . .
فكلها دلائل على أنه صلى الله عليه وسلم كان في شخصه بينة لهم ، ثم أكرمه اللَّه بالرسالة ، فكان رسولاً يتلو صحفًا مطهرة ، من الأباطيل والزيغ وما لا يليق بالقرآن . .
ومما استدل به لذلك قوله تعالى عنه : { وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } فعليه يكون رسول من الله بدل من البينة مرفوع على البدلية ، أو أن البينة ما يأتيهم به الرسول مما يتلوه عليهم من الصحف المطهرة فيها كتب قيمة . .
فالتشريع الذي فيها والإخبار الذي أعلنه تكون البينة . وعلى كل ، فإن البينة تصدق على الجميع ، كما تصدق على المجموع ، ولا ينفك أحدهما عن الآخر ، فلا رسول إلا برسالة تتلى ، ولا رسالة تتلى إلاَّ برسول يتلوها . .
وقد عرف لفظ البينة ، للإشارة إلى وجود علم عنها مسبق عليها . .
فكأنه قيل : حتى تأتيهم البينة الموصوفة لهم في كتبهم ، ويشير إليها ما قدمنا في أخبار عيسى عليه السلام عنه ، وآخر سورة الفتح { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } . قوله تعالى : { فِيهَا كُتُبٌ } . جمع كتاب ، وقال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في إملائه : كتب : بمعنى مكتوبات . .
وقال ابن جرير : في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة . يذكر القرآن بأحسن الذكر ، ويثني عليه بأحسن الثناء . .
وحكاه ابن كثير واقتصر عليه . .
وقال القرطبي : إن الكتب بمعنى الأحكام ، مستدلاً بمثل قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } وقوله : { كَتَبَ اللَّهُ لاّغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } .