@ 29 @ بد في هذا البعض من مزيد مزية للمعنى المساق فيه الكلام . .
فمثلاً هنا ذم الكذب وأخذ الكاذب بكذبه ، فجاء ذكر الناصية وهي مقدم شعر الرأس ، لأنها أشد نكارة على صاحبها ونكالاً به ، إذ الصدق يرفع الرأس والكذب ينكسه ذلة وخزياً . .
فكانت هي هنا أنسب من اليد أو غيرها ، بينما في أبي لهب تطاول بماله ، والغرض مذمة ماله وكسبه الذي تطاول به ، واليد هي جارحة الكسب وآلة التصرف في المال ، فكانت اليد أولى فيه من الناصية . .
وهكذا كما يقولون : بث الأمير عيونه : يريدون جواسيس له ، لأن العين من الإنسان أهم ما فيه لمهمته تلك . ولم يقولوا : بث أرجله ولا رؤوساً ولا أيد ، لأنها كلها ليست كالعين في ذلك . .
ومن هذا القبيل { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } ، { ياأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ } . .
لأن القلب هو مصدر الخوف والنفس هي محط الطمأنينة ، على أن النفس جزء من الإنسان ، وهكذا ، ومنه الآتي { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب } ، أطلق السجود وأراد الصلاة ، لأن السجود أخص صفاتها . { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب } . ربط بين السجود والاقتراب من الله كما قال : { وَمِنَ الَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } وقوله : في وصف أصحابه رضي الله عنهم : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً } ، فقوله : { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً } ، في معنى يتقربون إليه يبين قوله : { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب } . .
وهذا مما يدل لأول وهلة أن الصلاة أعظم قربة إلى اللَّه ، حيث وجه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم من أول الأمر ، كما بين تعالى في قوله : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ } . .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ) .