@ 28 @ ربط لطيف بأول السورة ، إذا كان خلق الإنسان من علق ، وهي أحوج ما يكون إلى لطف الله وعنايته ورحمته في رحم أمه ، فإذا بها مضغة ثم عظام ، ثم تكسى لحماً ، ثم تنشأ خلقاً آخر ، ثم يأتي إلى الدنيا طفلاً رضيعاً لا يملك إلا البكاء ، فيجري الله له نهرين من لبن أمه ، ثم ينبت له الأسنان ، ويفتق له الأمعاء ، ثم يشب ويصير غلاماً يافعاً ، فإذا ما ابتلاه ربه بشيء من المال أو العافية ، فإذا هو ينسى كل ما تقدم ، وينسى حتى ربه ويطغى ويتجاوز جده حتى مع الله خالقه ورازقه ، كما رد عليه تعالى بقوله : { أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّ بِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . .
ومما في الآية من لطف التعبير قوله تعالى : { أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى } ، أي أن الطغيان الذي وقع فيه عن وهم ، تراءى له ، أنه استغنى سواء بماله أو بقوته . لأن حقيقة المال ولو كان جبالاً ، ليس له منه إلاَّ ما أكل ولبس وأنفق . .
وهل يستطيع أن يأكل لقمة واحدة إلا بنعمة العافية ، فإذا مرض فماذا ينفعه ماله ، وإذا أكلها وهل يستفيد منها إلا بنعمة من الله عليه . .
ومن هذه الآية أخذ بعض الناس ، أن الغني الشاكر أعظم من الفقير الصابر ، لأن الغنى موجب للطغيان . .
وقد قال بعض الناس : الصبر على العافية ، أشد من الصبر على الحاجة . { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } . قال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في دفع إيهام الاضطراب : أسند الكذب إلى الناصية ، وفي مواضع أخرى أسنده إلى غير الناصية ، كقوله : { إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلائِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } . .
وذكر الجواب بأنه أطلق الناصية وأراد صاحبها على أسلوب لإطلاق البعض وإيراد الكل ، وذكر الشواهد عليه القرآن كقوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ } . .
والذي ينبغي التنبيه عليه من جهة البلاغة : أن البعض الذي يطلق ويراد به الكل ، لا