@ 19 @ . .
وقوله تعالى : { الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } ، شامل لهذا كله ، إذا كان هذا كله شأن القلم وعظم أمره ، وعظيم المنة به على الأمة ، بلى وعلى الخليقة كلها . .
وقد افتتحت الرسالة بالقراءة والكتابة ، فلماذا لم يكن النَّبي صلى الله عليه وسلم الذي أعلن عن هذا الفضل كله للقلم ! لم يكن هو كاتباً به ، ولا من أهله بل هو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، كما في قوله : { هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } . .
والجواب : أنا أشرنا أولاً إلى ناحية منه ، وهي أنه أكمل للمعجزة ، حيث أصبح النَّبي الأمي معلماً كما قال تعالى : { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } . .
وثانياً : لم يكن هذا النَّبي الأمي مُغْفِلاً شأن القلم ، بل عنى به كل العناية ، وأولها وأعظهما أنه اتخذ كتّاباً للوحي يكتبون ما يوحى إليه بين يديه ، مع أنه يحفظه ويضبطه ، وتعهد الله له بحفظه وبضبطه في قوله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ } ، حتى الذي ينساه يعوضه الله بخير منه أو مثله ، كما في قوله تعالى : { مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا } ، ووعد الله تعالى بحفظه في قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . .
ومع ذلك ، فقد كان يأمر بكتابة هذا المحفوظ وكان له عدة كتاب ، وهذا غاية في العناية بالقلم . .
وذكر ابن القيم من الكتاب الخلفاء الأربعة ، ومعهم تتمة سبعة عشر شخصاً ، ثم لم يقتصر صلى الله عليه وسلم في عنايته بالقلم والتعليم به عند كتابة الوحي ، بل جعل التعليم به أعم ، كما جاء خبر عبد الله بن سعيد بن العاص ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعلِّم الناس الكتابة بالمدينة ، وكان كاتباً محسناً ) ذكره صاحب الترتيبات الإدارية عن ابن عبد البر في الاستيعاب . .
وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال : ( علّمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن ) . .
وقد كانت دعوته صلى الله عليه وسلم ، الملوك إلى الإسلام بالكتابة كما هو معلوم . .
وأبعد من ذلك ، ما جاء في قصة أسارى بدر ، حيث كان يفادي بالمال من يقدر