@ 580 @ .
تنبيه .
ذكر الألوسي في قوله تعالى : { فَانصَبْ } قراءة شاذة بكسر الصاد ، وأخذها الشيعة على الفراغ من النبوة ، ونصب علي إماماً ، وقال : ليس الأمر متعيناً بعلي فالسُّني يمكن أن يقول : فانصب أبا بكر ، فإن احتج الشيعي بما كان في غدير خم ، احتج السني بأن وقته لم يكن وقت الفراغ من النبوة . .
بلى إن قوله صلى الله عليه وسلم : ( مُروا أبا بكر فليصلّ بالناس ) كان بعده ، وفي قرب فراغه صلى الله عليه وسلم من النبوة ، إذ كان في مرضه الذي مات فيه . .
فإن احتج الشيعي بالفراغ من حجة الوداع ، رده السني بأن الآية قبل ذلك . انتهى . .
وعلى كل إذا كان الشيعة يحتجون بها ، فيكفي لرد احتجاجهم أنها شاذة ، وتتبع الشواذ قريب من التأويل المسمى باللعب عند علماء التفسير ، وهو صرف اللفظ عن ظاهره ، لا لقرينة صارفة ولا علاقة رابطة . .
ومن اللعب في التأويل في هذه الآية ، ما يفعله بعض العوام : رأيت رجلاً عامياً عادياً ، قد لبس حلة كاملة من عمامة وثوب صقيل وحزام جميل مما يسمونه نصبة ، أي بدلة كاملة ، فقال له رجل : ما هذه النصبة يا فلان ؟ فقال له : لما فرغت من عملي نصبت ، كما قال تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ } . .
كما سمعت آخر يتوجع لقلة ما في يده ، ويقول لزميله : ألا تعرف لي شخصًا أنصب عليه ، أي آخذ قرضة منه ، فقلت له : ولم تنصب عليه ؟ والنصب كذب وحرام . فقال : إذا لم يكن عند الإنسان شيء ، ويده خالية فلا بأس ، لأن الله قال : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ } ، وهذا وأمثاله مما يتجرأ عليه العامة لجهلهم ، أو أصحاب الأهواء لنحلهم . { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } . التقديم هنا مشعر بالتخصيص وهو كقوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، أي لا نعبد غيرك : وهكذا هنا لا ترغب إلى غيره سبحانه ، كأنه يقول : الذي أنعم عليك بكل ما تقدم ، هو الذي ترغب فيما عنده لا سواه .