@ 579 @ .
وقد يكون النصب للدنيا أو للآخرة ، ولم يبين المراد بالنصب في أي شيء ، فاختلف فيه ، ولكنها أقوال متقاربة . .
فقيل : في الدعاء بعد الفراغ من الصلاة . .
وقيل : في النافلة من الفريضة ، والذي يشهد له القرآن ، أنه توجيه عام للأخذ بحظ الآخرة بعد الفراغ من عمل الدنيا ، كما في مثل قوله تعالى : { وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا } ، وقوله : { إِنَّ نَاشِئَةَ الَّيْلِ هِىَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً } ، أي لأنها وقت الفراغ من عمل النهاء وفي سكون الليل ، وقوله : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوابَا } ، فيكون وقته كله مشغولاً ، إما للدنيا وإما للدين . .
وفي قوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ } ، حل لمشكلة الفراغ التي شغلت العالم حيث لم تترك للمسلم فراغًا في وقته ، لأنه إما في عمل للدنيا ، وإما في عمل للآخرة . .
وقد روي عن ابن عباس : ( أنه مر على رجلين يتصارعان فقال لهما : ما بهذا أُمرنا بعد فراغنا ) . .
وروي عن عمر أنه قال : ( إني لأكره لأحدكم أن يكون خالياً سبهللا ، لا في عمل دنيا ولا دين ) ولهذا لم يَشْكُ الصدر الأول فراغاً في الوقت . .
ومما يشير إلى وضع الصدر الأول ، ما رواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال : قلت لعائشة رضي الله عنها وأنا يومئذٍ حديث السن : ( أرأيت قول الله تعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا } ، فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما ؟ فقالت عائشة : كلا لو كان كما تقول لكانت ، فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ) . .
فانظر رحمك الله وإياي ، فيم يفكر حديث السن ، وكيف يستشكل معاني القرآن ، فمثله لا يوجد عنده فراغ .