@ 547 @ تأمله العاقل لوجد فيه كما أسلفنا القدرة الباهرة ، أعظم مما في الليل إذا يغشى وما في النهار إذا تجلى ، ولاسيما إذا صغر الكائن كالبعوضة فما دونها مما لا يكاد يرى بالعين ، ومع ذلك فإن فيه الذكورة والأنوثة . سبحانك اللَّهم ما أعظم شأنك . { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } . تقدم في السورة الأولى قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } ، وكلاهما بالسعي إليه والعمل من أجله ، وهنا يقول : إن سعيكم مهما كان لشتى ، أي متباعد بعض عن بعض . .
والشتات : التباعد والافتراق ، وشتى : جمع شتيت ، كمرضى ومريض ، وقتلى وقتيل ونحوه ، ومنه قول الشاعر : والشتات : التباعد والافتراق ، وشتى : جمع شتيت ، كمرضى ومريض ، وقتلى وقتيل ونحوه ، ومنه قول الشاعر : % ( قد يجمع الله الشتيتين بعد ما % يظنان كل الظن ألا تلاقيا ) % .
وهذا جواب القسم ، وفي القسم ما يشعر بالارتباط به ، كبعد ما بين الليل والنهار ، وما بين الذكر والأنثى ، فهما مختلفان تماماً ، وهكذا هما مفترقان في النتائج والوسائل ، كبعد ما بين فلاح من زكاها ، وخيبة من دساها المتقدم في السورة قبلها . .
ثم فصل هذا الشتات في التفصيل الآتي { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } . .
وما أبعد ما بين العطاء والبخل والتصديق والتكذيب واليسرى والعسرى ، وقد أطلق أعطى ليعم كل عطاء من ماله وجاهه وجهده حتى الكلمة الطيبة ، بل حتى طلاقة الوجه ، كما في الحديث ( ولو أن أخاك بوجه طلق ) . .
والحسنى : قيل المجازاة على الأعمال . .
وقيل : للخلف على الإنفاق . .
وقيل : لا إله إلاَّ اللَّه . .
وقيل : الجنة . .
والذي يشهد له القرآن هو الأخير لقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } ، فقالوا : الحسنى هي الجنة ، والزيادة النظر إلى وجهه الكريم ، وهذا