@ 531 @ بلده مسقط رأسه فصبر ، ولم يدع عليهم ، ورضى الدخول في جوار رجل مشرك وهذا هو المناسب لقوله بعده { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى كَبَدٍ } ، وهذا من أعظمه . .
فإذا كان كل إنسان يكابد في حياته ، أياً كان هو ، ولأي غرض كان ، فمكابدتك تلك جديرة بالتقدير والإعظام ، حتى يقسم بها . واللَّه تعالى أعلم . { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } . قيل : الوالد هو آدم ، { وَمَا وَلَدَ } ، قيل : ما نافية . وقيل : مصدرية . .
فعلى أنها نافية : أي وكل عظيم لم يولد له . .
وعلى المصدرية : أي بمعنى الولادة من تخليص نفس من نفس ، وما يسبق ذلك من تلقيح وحمل ونمو الجنين وتفصيله وتخليقه وتسهيل ولادته . .
وقيل : ووالد وما ولد : كل والد مولود من حيوان وإنسان . .
وقد رجح بعض العلماء أن الوالد هو آدم ، وما ولد ذريته ، بأنه المناسب مع هذا البلد لأنها أم القرى ، وهو أبو البشر ، فكأنه أقسم بأصول الموجودات وفروعها . { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى كَبَدٍ } . تقدم بيانه عند قوله تعالى : { ياأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ } . { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } . لم يبين أيراه أحد ؟ ومن الذي يراه ؟ .
ومعلوم أنه سبحانه وتعالى يراه ، ولكن جاء الجواب مقروناً بالدليل والإحصاء في قوله تعالى بعده { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ } ، لأن من جعل للإنسان عينين يبصر بهما ويعلم منه خائنة الأعين ، ولساناً ينطق به ويحصى عليه ما يلفظ من قول إلاَّ لديه رقيب عتيد ، وهداه الطريق ، طريق البذل وطريق الإمساك ، وإذا كان الأمر كذلك فلن ينفق درهماً إلاَّ وهو سبحانه يعلمه ويراه