@ 515 @ * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } . وهذا هو قسيم القسم الأول في بيان حال أهل الجنة ، ولم يعطف بالواو إيذاناً بكمال تباين مضمونيهما . ويومئذٍ : هو يوم الغاشية المتقدم ، وهذا يقتضي أن الغاشية عامة في الفريقين . وإن اختلفت أحوالها مع مختلف الناس ، وعليه فمنهم من تغشاه بهولها ، ومنهم من تغشاه بنعيمها . وهي بالنسبة لكل منهما متناهية فيما تغشاهم به ، وهي صادقة على الفريقين . .
ومعلوم أن الغاشية تطلق على الخير كما تطلق على الشر ، بمعنى الشمول والإحاطة التامة . ومن إطلاقها على الخير ما جاء في الحديث : ( ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله تعالى فيه إلاَّ حفَّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ، وذكرهم الله فيمن عنده ) أخرجه مسلم . .
وبيان ذلك وتحقيقه في حق كلا القسمين كالآتي : .
أما الأول منهما : وهو الغاشية في حق أهل النار فقد غشيهم العذاب حساً ومعنى ظاهراً وباطناً أو لا خشوع في ذلة ، وهي ناحية نفسية ، وهي أثقل أحياناً من الناحية المادية ، فقد يختار بعض الناس الموت عنها ، ثم مع الذلة العمل والنصب حساً وبدناً ، ومع النصب الشديد تصلى ناراً حامية ، وكان يكفي تصلى ناراً . ولكن إتباعها بوصفها حامية فهو زيادة في إبراز عذابهم وزيادة في غشيان العذاب لهم ، ثم يسقون من عين آنية متناهية في الحرارة فيكونون بين نار حامية من الخارج وحميم من الداخل تصهر منه البطون ، فهو أتم في الشمول للغاشية لهم من جميع الوجوه ، وفي حق القسم المقابل تعميم كامل وسرور شامل كالآتي ، وجوه ناعمة مكتملة النعمة ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم . .
وهذا في شموله من الناحية المعنوية كمقابلة في القسم الأول بدلاً من خاشعة في ذلة ناعمة في نضرة لسعيها راضية الذي سعته في الدنيا ، والذي تسعى لتحصيله أو ثوابه في جنة عالية بدلاً من عمل ونصب ، لا تسمع فيها لاغية : منزلة أدبية رفيعة حيث لا تسمع فيها كلمة لغو ولا يليق بها ، فهو إكرام لهم حتى في الكلمة التي يسمعونها ، كما في قوله : { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا