@ 512 @ خاشعة عاملة ناصبة يومئذٍ تصلى ناراً حامية ، والتقديم والتأخير على خلاف الأصل ، فالأصل إقرار الكلام على نظمه وترتيبه لا تغيير ترتيبه ، والتقديم والتأخير ، إنما يكون مع قرينة . .
والثاني : أن الله ذكر وجوه الأشقياء ووجوه السعداء في السورة بعد ذلك { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } ، أي في ذلك اليوم ، وهو يوم الآخرة : فالواجب تناظر القسمين أي في الظرف . .
الثالث : أن نظير هذين القسمين ما ذكر في موضع آخر في قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } ، وفي موضع آخر في قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَائِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } ، وهذا كله وصف للوجوه في الآخرة . .
الرابع : أن المراد بالوجوه أصحابها لأن الغالب في القرآن وصف الوجوه بالعلامة كقوله : { سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ } ، وقوله : { فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ } ، وهذا الوجه لم تتضح دلالته على المقصود . .
الخامس : أن قوله : خاشعة عاملة ناصبة ، لو جعل صفة لهم في الدنيا لم يكن في هذا اللفظ ذم ، فإن هذا إلى المدح أقرب ، وغايته أنه وصف مشترك بين عباده المؤمنين وعباده الكافرين ، والذم لا يكون بالوصف المشترك ولو أريد المختص ، لقيل : خاشعة للأوثان مثلاً ، عاملة لغير اللَّه ، ناصبة في طاعة الشيطان ، وليس في القرآن ذم لهذا الوصف مطلقاً ولا وعيد عليه ، فحمله على هذا المعنى خروج عن الخطاب المعروف في القرآن ، وهذا الوجه من أقواها في المعنى وأوضحها دلالة . .
وقد يشهد له أن هؤلاء قد يكون منهم العوام المغرورون بغيرهم ، ويندمون غاية الندم يوم القيامة على اتباعهم إياهم ، كما في قوله تعالى : { وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الاٌّ سْفَلِينَ } . .
السادس : وهو مهم أيضاً ، أنه لو جعل لهم في الدنيا لكان خاصاً ببعض الكفار دون