@ 444 @ .
فجاء بمكة أيضاً ولكن بوصف مناسب فقال : { وَهَاذَا الْبَلَدِ الاٌّ مِينِ } ، فكأنه يقول : إن من أنعم على تلك البقاع بالخير والبركة والقداسة ، أنعم على الإنسان بنعمة حسن خلقته وحسن تقويمه وفضله على سائر مخلوقاته . والله تعالى أعلم . .
وهنا يقسم بحالات الكواكب على أصح الأقوال ، في ظهورها واختفائها وجريانها ، وبالليل إذا عسعس : أقبل وأدبر ، أو أضاء وأظلم ، والصبح إذا تنفس : أي أظهر وأشرق ، وهما أثران من آثار الشمس في غروبها وشروقها . .
والمقسم عليه : هو أن القرآن قول رسول كريم كأنه يقول : إن القرآن المقسم عليه حاله في الثبوت والظهور ، وحال الناس معه . كحال هذه الكواكب الثوابت لديكم في ظهورها تارة ، واختفائها أخرى . .
وكحال الليل والصبح فهو عند أناس موضع ثقة وهداية كالصبح في إسفاره ، قلوبهم متفتحة إليه وعقولهم مهتدية به ، فهو لهم روح ونور ، وعند أناس مظلمة أمامه قلوبهم عمى عنه بصائرهم ، وفي آذانهم وقر ، وهو عليهم عمى ، وأناس تارة وتارة كالنجوم أحياناً ، وأحياناً ، تارة ينقدح نوره في قلوبهم ، فتظهر معالمه فيسيرون معه ، وتارة يغيب عنهم نوره فتخنس عنه عقولهم وتكنس دونه قلوبهم ، كما قال تعالى عنهم : { كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ } . .
وليس بعيداً أن يقال : إنه من وجه آخر ، تعتبر النجوم كالكتب السابقة ، مضى عليها الظهور في حينها والخفاء بعدها . .
والليل إذا عسعس : هو ظلام الجاهلية . .
والصبح إذا تنفس : يقابله ظهور الإسلام ، وأنه سينتشر انتشار ضوء النهار ، ولا تقوى قوة قط على حجبه ، وسيعم الآفاق كلها ، مهما وقفوا دونه { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } . .
وقد يكون في هذا الإيراد غرابة على بعض الناس ، ولاسيما وأني لم أقف على بحث مستقل فيه ، ولا توجيه يشير إليه ، ولكن مع التتبع وجدت اطراده في مواضع متعددة ، وجدير بأن يفرد برسالة .