@ 255 @ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ إلى قوله : { فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } . .
وأما النداء فقال الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه : قد بينه تعالى في سورة الأنبياء عند قوله تعالى : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَاهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذالِكَ نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ } . .
فصاحب الحوت هو يونس ، ونداؤه هو المذكور في الآية ، وحالة ندائه وهو مكظوم . .
أما الوجه المنهي عن أن يكون مثله فهو الحال الذي كان عليه عند النداء ، وهو في حالة غضبه ، وهو مكظوم ، وهذا بيان لجانب من خلقه صلى الله عليه وسلم وتخلقه في قوله تعالى : { وَلِرَبّكَ فَاصْبِرْ } أي على إيذاء قومك ، ولعل هذا من خصائص وخواص توجيهات الله إليه ، كما في قوله تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ } إلى آخر الآية ، فقد بين تعالى خلقاً فاضلاً عاماً للأمة في حسن المعاملة والصفح . .
ثم خص النَّبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { وَاصْبِرْ } أي لا تعاقب انتقاماً ولو بالمثلية ولكن اصبر ، وقد كان منه صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك في رجوعه من ثقيف حينما آذوه وجاءه جبريل عليه السلام ، ومعه ملك الجبال يأتمر بأمره إلى أن قال : .
لا ، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون . . إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يؤمن بالله فقد صفح وصبر ورجى من الله إيمان من يخرج من أصلابهم . .
وهذا أقصى درجات الصبر والصفح وأعظم درجات الخلق الكريم . قوله تعالى : { لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } . بين تعالى أنه لم ينبذ بالعراء على صفة مذمومة ، بل إنه تعالى أنبت عليه شجرة تظلّه وتستره ، كما في قوله تعالى : { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } . قوله تعالى : { فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } .