@ 254 @ .
فأنزل الله تعالى { قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } . .
ومما هو صريح في قصدهم بالمداهنة والدافع عليها والجواب عليهم قد جاء موضحاً في قوله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } ، ثم قال تعالى مبيناً موقف الرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه المحاولة بقوله : { فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } . .
وقد جاء الله بأمره حكماً بينه وبينهم ، وهنا يمكن أن يقال : إن كل مداهنة في الدين مع المشركين تدخل في هذا الموضوع . .
وقد جاء بعد قوله تعالى : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } إشارة إلى أنهم لا يطاعون في مداهنتهم ، وأنهم سيبذلون كل ما في وسعهم لترويج مداهنتهم ولو بكثرة الحلف ، وفرق بين المداهنة في الدين ، والملاطفة في الدنيا أو التعاون وتبادل المنافع الدنيوية ، كما قدمنا عند قوله تعالى : { لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ } ، والله تعالى أعلم . قوله تعالى : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } . هذا استفهام إنكاري يدل على أنه لم يسألهم أجراً على دعوته إياهم . .
وقال تعالى : { قُل لاَّ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى } فالأجر المسؤول المستفهم عنه هو الأجر المادي بالمال ونحوه . .
وقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه مبحث الأجر على الدعوة من جميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . ومبحث أخذ الأجرة على الأعمال التي أصلها مزية الله بحثاً وافياً عند قوله تعالى { وَياقَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ } من سورة هود . قوله تعالى : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } . لم يبين هنا من هو صاحب الحوت ، ولا نداءه وهو مكظوم ، ولا الوجه المنهي عنه أن يكون مثله ، وقد بين تعالى صاحب الحوت في الصافات في قوله تعالى : { وَإِنَّ يُونُسَ