@ 187 @ .
وكذلك قوله تعالى { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا } أي الفضة ، لأن كنز الفضة أوفر ، وكانزوها أكثر فصورة الكنز حاصلة فيها بصفة أوسع ، ولدى كثير من الناس ، فكان توجيه الخطاب إليهم أولى ، ومن ناحية أخرى لما كانت الفضة من الناحية النقدية أقل قيمة ، والذهب أعظم ، كان في عود الضمير عليها تنبيه بالأدنى على الأعلى ، فكأنه أشمل وأعم ، وأشد تخويفاً لمن يكنزون الذهب . .
أما الآية هنا ، فإن التوجيه الذي وجهه الشيخ رحمة الله تعالى عليه ، لعود الضمير على التجارة ، فإنه في السياق ما يدل عليه ، وذلك في قوله تعالى بعدها : { قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ } ، فذكر السببين المتقدمين لانفضاضهم عنه صلى الله عليه وسلم ، ثم عقبه بقوله تعالى ، بالتذييل المشعر بأن التجارة هي الأصل بقوله : { وَاللَّهُ خَيْرُ الرَازِقِينَ } ، والرزق ثمرة التجارة . فكان هذا بياناً قرآنياً لعود الضمير هنا على التجارة دون اللهو . والعلم عند الله تعالى . .
تنبيه .
قال أبو حيان عن ابن عطية : تأمل إن قدمت التجارة على اللهو في الرؤية ، لأنها أهم وأخرت مع التفضيل لتقع النفس أولاً على الأبين ا ه . .
يريد بقوله : في الرؤية ، وإذا رأوا . وبقوله : مع التفضيل { قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ } أي لأن اللهو أبين في الظهور ، والذي يظهر والعلم عند الله تعالى : أنه عند التفضيل ذكر اللهو للواقع فقط ، لأن اللهو لا خير فيه مطلقاً فليس محلاً للمفاضلة ، وأخر ذكر التجارة لتكون أقرب لذكر الرزق لارتباطهما معاً ، فلو قدمت التجارة هنا أيضاً لكان ذكر اللهو فاصلاً بينها وبين قوله تعالى : { وَاللَّهُ خَيْرُ الرَازِقِينَ } ، وهو لا يتناسق مع حقيقة المفاضلة .