@ 181 @ .
والعادة أن أهل البوادي ينزلون إلى القرى والأمصار للتزود من أسواقها ، وإذا وجد السوق ، ووجدت الجماعة ، اقتضى ذلك وجود الحاكم لاحتمال المشاحة والمنازعات . كما تقدم استلزام ذلك شرعاً وعقلاً ، كما أن قوله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَواةُ فَانتَشِرُواْ فِى الاٌّ رْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ } يدل على الكثرة ، لأن مادة الانتشار لا تطلق على الواحد ولا الاثنين ، كما في حديث ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ) ، ومنه انتشار الخبر لا يصدق على ما يكون بين اثنين ، أو أكثر ، إذا كانوا يتكتمون . فإذا استفاض وكثر من يعرفه ، قيل له : انتشر الخبر . .
قال صاحب معجم مقاييس اللغة في مادة نشر : النون والشين والراء أصل صحيح يدل على فتح شيء وتشعبه ، فقوله : وتشعبه يدل على الكثرة . .
وقال يقال : اكتسى البازي ريشاً نشراً ، أي منتشراً واسعاً طويلاً ، ومعلوم أن ريش البازي كثير ، وهذا الوصف لا يتأتى من نفر قلائل في بادية ، بل لا يتأتى تحققه إلا من أهل القرى المستوطنين . وفعلنا في هذا قد أوضحنا هذه المسألة خاصة لهؤلاء الذين يقولون : إن الجمعة كالجماعة تصح من أي عدد في أي مكان على أية حالة كانوا ، وهو قول في الواقع لم يكن لهم فيه سلف ، وخالفوا به السلف والخلف ، مع ما في قولهم من هدم حكمة التشريع في إقامة الجمعة ، حيث إننا وجدنا حكمة الجماعة في العدد القليل ، ولأهل كل مسجد في كل ضاحية . .
ثم نأت الجمعة لأهل القرية والمصر ومن في ضواحيها على بعد خمسة أو ستة أميال ، كما قال المالكية ، وكما كان السلف يأتون إلى المدينة زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، لما فيه من تجمع للمسلمين على نطاق أوسع من نطاق الجماعة . .
ثم يأتي العيد وهو على نطاق أوسع فيشمل حتى النساء يحضرن ذلك اليوم ، ثم يأتي الحج يأتون إليه من كل فج عميق ، ولعل مما يشهد لهذا ويرد على من خالفه ، ما جاء في اجتماع العيد والجمعة . إذ خيرهم النَّبي صلى الله عليه وسلم بين النزول إلى الجمعة وبين الاكتفاء بالعيد أي أهل الضواحي . .
ثم أخبرهم بأنه سيصلي الجمعة ، فلو أن الجمعة تصح منهم في منازلهم وضواحيهم لأرشدهم إلى ذلك وأعفاهم من النزول سواء في يوم العيد الذي يكون في يوم الجمعة أو