@ 81 @ ما كان بعلة ا ه . .
والذي يظهر والله تعالى أعلم : أن التقديم لغرض شرعي وبلاغي ، وهو أن عداوة العبد لله هي الأصل ، وهي أشد قبحاً ، فلذا قدمت ، وقبحها في أنهم عبدوا غير خالقهم ، وشكروا غير رازقهم ، وكذبوا رسل ربهم وآذوهم . .
وقد جاء في الأحاديث القدسية ما يستأنس به في ذلك فيما رواه البيهقي والحاكم ، عن معاذ والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ما نصه : ( إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري ) وفيه ( خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد ، أتحبَّب إليهم بالنعم ويتبغضون إلي بالمعاصي ) كما أن تقديمه يؤكد بأنه هو السبب في العداوة بين المؤمنين والكافرين ، وما كان سبباً فحقه التقديم . .
ويدل على ما ذكرنا من أنه الأصل ، أن الكفار لو آمنوا بالله وانتفت عدواتهم لله لأصبحوا إخواناً للمؤمنين ، وانتفت العداوة بينهما ، وكذا كونه مغياً بغاية في قوله تعالى : { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّى يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ } . .
ومثله قوله تعالى في قوم إبراهيم : { وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَحْدَهُ } فإذا هاجر المشركون وآمن الكافرون ، انتفت العداوة وجاءت الموالاة . .
ومما قدمنا من أن سبب النهي عن موالاة الأعداء ، هو الكفر يعلم أنه إذا وجدت عداوة لا لسبب الكفر فلا ينهى عن تلك الموالاة لتخلف العلة الأساسية ، كما جاء في قوله تعالى : { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ } ، ثم قال تعالى : { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . .
فلما تخلف السبب الأساسي في النهي عن موالاة العدو الذي هو الكفر ، جاء الحث على العفو والصفح والغفران ، لأن هذه العداوة لسبب آخر هو ما بينه قوله تعالى : { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ } . فكان مقتضاها فقط الحذر من أن يفتنوه ، وكان مقتضى الزوجية حسن العشرة ، كما هو معلوم . وسيأتي زيادة إيضاح لهذه المسألة عند هذه الآية ، إن شاء الله تعالى . .
وقد نص صراحة على عدم النهي المذكور في خصوص من لم يعادوهم في الدين في قوله تعالى : { لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن