@ 512 @ُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ } وأصل العهن أخص من مطلق الصوف لأنه الصوف المصبوغ خاصة . ومنه قول زهير بن أبي سلمى في معلقته : وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ } وأصل العهن أخص من مطلق الصوف لأنه الصوف المصبوغ خاصة . ومنه قول زهير بن أبي سلمى في معلقته : % ( كأن فتاة العهن في كل منزل % نزلن به حب الفنا لم يحطم ) % .
وقال بعضهم : الجبال منها جدد بيض وحمر ومختلف ألوانها وغرابيب سود ، فإذا بست وفتتت يوم القيامة وطيرت في الجو أشبهت العهن إذا طيرته الريح في الهوى ، وهذا الوجه يدل عليه ترتيب كينونتها هباء منبثاً بالفاء على قوله : { وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً } لأن الهباء هو ما ينزل من الكوة من شعاع الشمس إذا قابلتها : { مُّنبَثّاً } أي متفرقاً ، ووصفها بالهباء المنبث أنسب لتكون البس بمعنى التفتيت والطحن . .
الوجه الثاني : أن معنى قوله : { وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً } أي سيرت بين السماء والأرض ، وعلى هذا فالمراد ببسها سوقها وتسييرها من قول العرب : بسست الإبل أبسها ، بضم الباء وأبستها أبسها بضم الهمزة وكسر الباء ، لغتان بمعنى سقتها ، ومنه حديث : ( يخرج أقوام من المدينة إلى اليمن والشام ، والعراق يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) . .
وهذا الوجه تشهد له آيات من كتاب الله كقوله تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ } ، وقوله { وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً } . .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة النمل في الكلام على قوله : { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } . .
الوجه الثالث : أن معنى قوله : { وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً } نزعت من أماكنها وقلعت ، وقد أوضحنا أن هذا الوجه راجع للوجه الأول مع الإيضاح التام لأحوال الجبال يوم القيامة ، وأطوارها ، بالآيات القرآنية ، وفي سورة طه في الكلام على قوله تعالى : { وَيَسْألُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفاً } ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } كقوله تعالى : { وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } ، والهباء إذا انبث ، أي تفرق ، واضمحل وصار لا شيء ، والسراب قد قال الله تعالى فيه : { حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } . قوله تعالى : { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً } .