@ 454 @ قوله تعالى : { كُلُّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } . ظاهر هذه الآية الكريمة العموم في جميع الناس ، وقد بين تعالى في آيات أخر أن أصحاب اليمين خارجون من هذا العموم ، وذلك في قوله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِى جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ } . .
ومن المعلوم أن التخصيص بيان ، كما تقرر في الأصول . قوله تعالى : { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } . لم يذكر هنا شيء من صفات هذه الفاكهة ولا هذا اللحم إلا أنه مما يشتهون . وقد بين صفات هذه الفاكهة في مواضع أخر كقوله تعالى : { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } وبين أنها أنواع في مواضع أخر كقوله : { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ } وقوله تعالى { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَاذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } . وقوله تعالى { أُوْلَائِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } إلى غير ذلك من الآيات . .
ووصف اللحم المذكور بأنه من الطير ، والفاكهة بأنها مما يتخيرونه على غيره ، وذلك في قوله { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } . قوله تعالى : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } . قرأه ابن كثير وأبو عمرو : { لاَّ لَغْوٌ } بالبناء على الفتح ، { وَلاَ تَأْثِيمٌ } كذلك لأنها ، لا ، التي لنفي الجنس فبنيت معها ، وهي إن كانت كذلك نص في العموم ، وقرأه الباقون من السبعة { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } بالرفع والتنوين . لأن لا النافية للجنس إذا تكررت كما هنا جاز إعمالها وإهمالها ، والقراءتان في الآية فيهما المثال للوجهين : وإعمالها كثير ، ومن شواهد إهمالها قراءة الجمهور في هذه الآية ، وقول الشاعر : لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } بالرفع والتنوين . لأن لا النافية للجنس إذا تكررت كما هنا جاز إعمالها وإهمالها ، والقراءتان في الآية فيهما المثال للوجهين : وإعمالها كثير ، ومن شواهد إهمالها قراءة الجمهور في هذه الآية ، وقول الشاعر : % ( وما هجرتك حتى قلت معلنة % لا ناقة لي في هذا ولا جمل ) % .
وقوله : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } : أي يتعاطون ، ويتناول بعضهم من بعض كأساً أي خمراً ، فالتنازع يطلق لغة على كل تعاط وتناول ، فكل قوم يعطي بعضهم بعضاً شيئا