@ 448 @ِ شَىْءٍ قَدِيرٌ } وقوله : { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِىْ خَلَقَكُمْ } راجع إلى شيء واحد هو العلم بالله ، لأن من عرف الله أطاعه ووحده . .
وهذا العلم يعلمهم الله إياه ويرسل لهم الرسل بمقتضاه ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيي من حيي عن بينة ، فالتكليف بعد العلم ، والجزاء بعد التكليف ، فظهر بهذا اتفاق الآيات لأن الجزاء لا بد له من تكليف ، وهو الابتلاء المذكور في الآيات والتكليف لا بد له من علم ، ولذا دل بعض الآيات على أن حكمة الخلق للمخلوقات هي العلم بالخالق ، ودل بعضها على أنها الابتلاء ، ودل بعضها على أنها الجزاء ، وكل ذلك حق لا اختلاف فيه ، وبعضه مرتب على بعض . .
وقد بينا معنى { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة هود في الكلام على قوله تعالى : { وَلِذالِكَ خَلَقَهُمْ } وبينا هناك أن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله : { وَلِذالِكَ خَلَقَهُمْ } أي ولأجل الاختلاف إلى شقي وسعيد خلقهم ، وفي قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ } إرادة كونية قدرية ، وأن الإرادة المدلول عليها باللام في قوله : { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ، إرادة دينية شرعية . .
وبينا هناك أيضاً الأحاديث الدالة على أن الله خلق الخلق منقسماً إلى شقي وسعيد ، وأنه كتب ذلك وقدره قبل أن يخلقهم . وقال تعالى : { هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } : وقال : { فَرِيقٌ فِى الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِى السَّعِيرِ } . .
والحاصل : أن الله دعا جميع الناس على ألسنة رسله إلى الإيمان به وعبادته وحده وأمرهم بذلك ، وأمره بذلك مستلزم للإرادة الدينية الشرعية ، ثم إن الله جل وعلا يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء بإرادته الكونية القدرية ، فيصيرون إلى ما سبق به العلم من شقاوة وسعادة ، وبهذا تعلم وجه الجمع بين قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ } . وقوله : { وَلِذالِكَ خَلَقَهُمْ } ، وبين قوله : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ، وإنما ذكرنا أن الإرادة قد تكون دينية شرعية ، وهي ملازمة للأمر والرضا ، وقد تكون كونية قدرية وليست ملازمة لهما ، لأن الله يأمر الجميع بالأفعال المرادة منهم ديناً ، ويريد ذلك كوناً وقدراً من بعضهم دون بعض ، كما قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاّ