@ 447 @ قد يظن غير المتأمل أن بينهما اختلافاً ، والواقع خلاف ذلك . لأن كلام الله لا يخالف بعضه بعضاً ، وإيضاح ذلك أن الله تبارك وتعالى ذكر في بعض الآيات أن حكمة خلقه للسماوات والأرض هي إعلام خلقه بأنه قادر على كل شيء ، وأنه محيط بكل شيء علماً ، وذلك في قوله تعالى في آخر الطلاق : { اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الاٌّ رْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاٌّ مْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمَا } . .
وذكر في مواضع كثيرة من كتابه أنه خلق الخلق ليبين للناس كونه هو المعبود وحده ، كقوله تعالى : { وَإِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ } ، ثم أقام البرهان على أنه إله واحد بقوله بعده : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } إلى قوله { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ، ولما قال : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } بين أن خلقهم برهان على أنه المعبود وحده بقوله بعده : { الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } . .
والاستدلال على أن المعبود واحد بكونه هو الخالق كثير جداً في القرآن ، وقد أوضحنا الآيات الدالة عليه في أول سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى : { وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءْالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً } ، وفي سورة الرعد في الكلام على قوله تعالى { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ } ، وفي غير ذلك من المواضع . .
وذكر في بعض الآيات أنه خلق السماوات والأرض ليبتلي الناس ، وذلك في قوله : { وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } . .
وذكر في بعض الآيات أنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم وذلك في قوله : { إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ } ، وذكر في آية الذاريات هذه أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه ، فقد يظن غير العالم أن بين هذه الآيات اختلافاً مع أنها لا اختلاف بينها ، لأن الحكم المذكور فيها كلها راجع إلى شيء واحد ، وهو معرفة الله وطاعته ومعرفة وعده ووعيده ، فقوله : { لِّتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ