@ 445 @ أو كرهاً ) ، لأن المؤمن يطيع باختياره والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه جبراً عليه ، وهذا القول رواه ابن جرير عن ابن عباس واختاره ، ويدل له قوله تعالى : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا } ، والسجود والعبادة كلاهما خضوع وتذلل لله جل وعلا ، وقد دلت الآية على أن بعضهم يفعل ذلك طوعاً وبعضهم يفعله كرهاً . .
وعن مجاهد أنه قال : { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } : أي إلا ليعرفوني . واستدل بعضهم لهذا القول بقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } ونحو ذلك من الآيات . وهو كثير في القرآن ، وقد أوضحنا كثرته فيه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى { إِنَّ هَاذَا الْقُرْءَانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ } . .
وقال بعض أهل العلم : وهو مروي عن مجاهد أيضاً معنى قوله : { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } : أي إلا لآمرهم بعبادتي فيعبدني من وفقته منهم لعبادتي دون غيره ، وعلى هذا القول : فإرادة عبادتهم المدلول عليها باللام في قوله : { لِيَعْبُدُونِ } إرادة دينية شرعية وهي الملازمة للأمر ، وهي عامة لجميع من أمرتهم الرسل لطاعة الله لا إرادة كونية قدرية ، لأنها لو كانت كذلك لعبده جميع الإنس والجن ، والواقع خلاف ذلك بدليل قوله تعالى { قُلْ ياأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } إلى آخر السورة . .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية الكريمة { إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ، أي إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم أي أختبرهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية ، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله ، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملاً ، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم . .
قال تعالى في أول سورة هود : { وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ } ، ثم بين الحكمة في ذلك فقال : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } .