@ 255 @ قد قدمنا الآيات الموضحة له ، في سورة الزخرف ، في الكلام على قوله تعالى { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . قوله تعالى : { فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } . التحقيق إن شاء الله تعالى ، في معنى هذه الآية الكريمة ، أن الكفار يوم القيامة ، إذا جاءتهم الساعة ، يتذكرون ويؤمنون بالله ورسله ، وأن الإيمان في ذلك الوقت لا ينفعهم لفوات وقته فقوله { ذِكْرَاهُمْ } مبتدأ خبره { فَأَنَّى لَهُمْ } أي كيف تنفعهم ذكراهم وإيمانهم بالله ، وقد فات الوقت الذي يقبل فيه الإيمان . .
والضمير المرفوع في { جَآءَتْهُمْ } عائد إلى الساعة التي هي القيامة . .
وهذا المعنى ، الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة ، من أن الكفار يوم القيامة يؤمنون ، ولا ينفعهم إيمانهم جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى { وَقَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ } ، وقوله تعالى : { وَجِىءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } . .
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } إلى قوله { أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ } . .
فظهر أن قوله { فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } على حذف مضاف ، أي أني لهم نفع ذكراهم . .
والذكرى اسم مصدر بمعنى الاتعاظ الحامل على الإيمان . قوله تعالى : { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } . ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة ، أنه إذا أنزل سورة محكمة ، أي متقنة الألفاظ والمعاني ، واضحة الدلالة ، لا نسخ فيها وذكر فيها وجوب قتال الكفار ، تسبب عن ذلك ، كون الذين في قلوبهم مرض أي شك ونفاق ، ينظرون كنظر الإنسان الذي يغشى عليه لأنه في سياق الموت ، لأن نظر من كان كذلك تدور فيه عينه ويزيغ بصره .