@ 208 @ تَتَّقُونَ } { الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاٌّ رْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } ، لأن قوله : { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } فيه معنى الإثبات من لا إله إلا الله . .
وقوله { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } يتضمن معنى النفي منها على أكمل وجه وأتمه . .
وقد أقام الله جل وعلا البرهان القاطع ، على صحة معنى لا إله إلا الله ، نفياً وإثباتاً ، بخلقه للسماوات والأرض ، وما بينهما في قوله { الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاٌّ رْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً } . .
وبذلك تعلم أنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا خلقاً متلبساً بأعظم الحق ، الذي هو إقامة البرهان القاطع ، على توحيده جل وعلا ، ومن كثرة الآيات القرآنية ، الدالة على إقامة هذا البرهان ، القاطع المذكور ، على توحيده جل وعلا ، علم من استقراء القرآن ، أن العلامة الفارقة من يستحق العبادة ، وبين من لا يستحقها ، هي كونه خالقاً لغيره ، فمن كان خالقاً لغيره ، فهو المعبود بحق ، ومن كان لا يقدر على خلق شيء ، فهو مخلوق محتاج ، لا يصح أن يعبد بحال . .
فالآيات الدالة على ذلك كثيرة جداً كقوله تعالى في البقرة المذكورة آنفاً : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } . .
فقوله : { الَّذِىْ خَلَقَكُمْ } يدل على أن المعبود هو الخالق وحده ، وقوله تعالى : { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ } . يعني وخالق كل شيء هو المعبود وحده . .
وقد أوضح تعالى هذا في سورة النحل ، لأنه تعالى لما ذكر فيها البراهين القاطعة ، على توحيده جل وعلا ، في قوله { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } إلى قوله { وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } أتبع ذلك بقوله { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } . .
وذلك واضح جداً في أن من يخلق غيره هو المعبود وأن من لا يخلق شيئاً لا يصح أن يعبد .