@ 27 @ { وَمَا خَلْفَهُمْ } أي من أمر الآخرة ، فدعوهم إلى التكذيب به ، وإنكار البعث . .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، أنه تعالى قيض للكفار قرناء من الشياطين ، يضلونهم عن الهدى ، بينه في مواضع أخر من كتابه . .
وزاد في بعضها سبب تقييضهم لهم ، وأنهم مع إضلالهم لهم ، يظنون أنهم مهتدون ، وأن الكافر يوم القيامة يتمنى أن يكون بينه وبين قرينه من الشياطين بعد عظيم ، وأنه يذمه ذلك اليوم كما قال تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَآءَنَا قَالَ يالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ } . .
فترتيبه قوله : نقيض له شيطاناً ، على قوله ومن يعش عن ذكر الرحمن ، ترتيب الجزاء على الشرط يدل على أن سبب تقييضه له ، هو غفلته عن ذكر الرحمن . .
ونظير ذلك قوله تعالى : { مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } لأن الوسواس هو كثير الوسوسة ليضل بها الناس ، والخناس هو كثير التأخر والرجوع عن إضلال الناس ، من قولهم : خنس بالفتح يخنس بالضم إذا تأخر . .
فهو وسواس عند الغفلة عن ذكر الرحمن ، خناس عند ذكر الرحمن ، كما دلت عليه آية الزخرف المذكورة ، ودل عليه قوله تعالى : { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } لأن الذين يتولونه ، والذين هم به مشركون ، غافلون عن ذكر الرحمن ، وبسبب ذلك قيضه الله لهم فأضلهم . .
ومن الآيات الدالة على تقييض الشياطين للكفار ليضلوهم ، قوله تعالى { أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } ، وقد أوضحنا الآيات الدالة على ذلك في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى : { أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ } . وبينا هناك أقوال أهل العلم في معنى { تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } . .
وبينا أيضاً هناك أن من الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنْسِ } أي استكثرتم من إضلال الإنس في دار الدنيا ، وقوله : { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِى الْغَىِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } .