@ 20 @ { إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ } موافق في المعنى لقوله هنا : فاستحبوا العمى على الهدى . .
ونظير ذلك في المعنى قوله تعالى : { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا عَلَى الاٌّ خِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } . .
فلفظة استحب في القرآن كثيراً ما تتعدى بعلى ، لأنها في معنى اختار وآثر . .
وقد قدمنا في سورة هود في الكلام على قوله تعالى : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالاٌّ عْمَى } . أن العمى الكفر ، وأن المراد بالأعمى في آيات عديدة الكافر . وما تضمنته هذه الآية الكريمة ، من أن الهدى يأتي في القرآن بمعناه العام ، الذي هو البيان ، والدلالة ، والإرشاد ، لا ينافي أن الهدى قد يطلق في القرآن في بعض المواضع ، على الهدى الخاص الذي هو التوفيق ، والاصطفاء ، كقوله تعالى : { أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } . .
فمن إطلاق القرآن الهدى على معناه العام قوله هنا : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } أي بينا لهم طريق الحق وأمرناهم بسلوكها ، وطرق الشر ونهيناهم عن سلوكها على لسان نبينا صالح ، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام { فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } أي اختاروا الكفر على الإيمان بعد إيضاح الحق لهم . .
ومن إطلاقه على معناه العام قوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ } بدليل قوله بعده { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } ، لأنه لو كان هدى توفيق لما قال : { وَإِمَّا كَفُوراً } . .
ومن إطلاقه على معناه الخاص قوله تعالى : { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } . وقوله تعالى : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } . وقوله : { مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ } . .
وبمعرفة هذين الإطلاقين تتيسر إزالة إشكال قرآني : وهو أنه تعالى : أثبت الهدى لنبينا صلى الله عليه وسلم في آية ، وهي قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ونفاه عنه في آية أخرى وهي قوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ } .