@ 318 @ النص من كتاب اللَّه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، إذا احتمل التأسيس والتأكيد معًا وجب حمله على التأسيس ، ولا يجوز حمله على التأكيد ، إلا لدليل يجب الرجوع إليه . .
ومعلوم في اللغة العربية ، أن العطف يقتضي المغايرة ، فآية ( الصافّات ) هذه ، دليل واضح للمنصف على أن الذبيح إسماعيل لا إسحاق ، ويستأنس لهذا بأن المواضع التي ذكر فيها إسحاق يقينًا عبّر عنه في كلّها بالعلم لا الحلم ، وهذا الغلام الذبيح وصفه بالحلم لا العلم . .
وأمّا الموضع الثاني الدالّ على ذلك الذي ذكرنا أنه في سورة ( هود ) ، فهو قوله تعالى : { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } ؛ لأن رسل اللَّه من الملائكة بشَّرتها بإسحاق ، وأن إسحاق يلد يعقوب ، فكيف يعقل أن يؤمر إبراهيم بذبحه ، وهو صغير ، وهو عنده علم يقين بأنه يعيش حتى يلد يعقوب . .
فهذه الآية أيضًا دليل واضح على ما ذكرنا ، فلا ينبغي للمنصف الخلاف في ذلك بعد دلالة هذه الأدلّة القرءانية على ذلك ، والعلم عند اللَّه تعالى . .
تنبيه .
اعلم أن قصّة الذبيح هذه تؤيّد أحد القولين المشهورين عند أهل الأصول في حكمة التكليف ، هل هي للامتثال فقط ، أو هي متردّدة بين الامتثال والابتلاء ؟ لأنه بيّن في هذه الآية الكريمة أن حكمة تكليفه لإبراهيم بذبحه ولده ليست هي امتثاله ذلك بالفعل ، لأنه لم يرد ذبحه كونًا وقدرًا ، وإنما حكمة تكليفه بذلك مجرّد الابتلاء والاختبار ، هل يصمّم على امتثال ذلك أو لا ؟ كما صرّح بذلك في قوله تعالى : { إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } ، فتبيّن بهذا أن التحقيق أن حكمة التكليف متردّدة بين الامتثال والابتلاء . وإلى الخلاف المذكور أشار في ( مراقي السعود ) ، بقوله : وإنما حكمة تكليفه بذلك مجرّد الابتلاء والاختبار ، هل يصمّم على امتثال ذلك أو لا ؟ كما صرّح بذلك في قوله تعالى : { إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْبَلاَء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } ، فتبيّن بهذا أن التحقيق أن حكمة التكليف متردّدة بين الامتثال والابتلاء . وإلى الخلاف المذكور أشار في ( مراقي السعود ) ، بقوله : % ( للامتثال كلف الرقيب % فموجب تمكنا مصيب ) % % ( أو بينه والابتلا تردّدًا % شرط تمكن عليه انفقدا ) % .
وقد أشار بقوله : فموجب تمكنا مصيب ، وقوله : شرط تمكن عليه انفقدا ، إلى أن شرط التمكّن من الفعل في التكليف ، مبني على الخلاف المذكور ، فمن قال : إن الحكمة في التكليف هي الامتثال فقط اشترط في التكليف التمكّن من الفعل ، لأنه لا امتثال إلا مع