@ 317 @ . قد قدّمنا إيضاحه بالآيات القرءانية بكثرة في سورة ( مريم ) ، في الكلام على قوله تعالى : { وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً نَّبِيّاً * إِذْ قَالَ لاِبِيهِ ياأَبَتِ * ياأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } . { وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينِ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ } ، إلى قوله تعالى : { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } . اعلم أوّلاً : أن العلماء اختلفوا في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم في المنام بذبحه ، ومعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي ، ثم لمّا باشر عمل ذبحه امتثالاً للأمر ، فداه اللَّه بذبح عظيم ، هل هو إسماعيل أو إسحاق ؟ وقد وعدنا في سورة ( الحجر ) ، بأنا نوضح ذلك بالقرءان في سورة ( الصافّات ) ، وهذا وقت إنجاز الوعد . .
اعلم ، وفّقني اللَّه وإياك ، أن القرءان العظيم قد دلّ في موضعين ، على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق أحدهما في ( الصافّات ) ، والثاني في ( هود ) . .
أمّا دلالة آيات ( الصافّات ) على ذلك ، فهي واضحة جدًا من سياق الآيات ، وإيضاح ذلك أنه تعالى قال عن نبيّه إبراهيم : { وَقَالَ إِنّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبّى سَيَهْدِينِ * رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصَّالِحِينِ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يابُنَىَّ بَنِى إِنّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ ياأَبَتِ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الاْوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاْخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ } ، قال بعد ذلك عاطفًا على البشارة الأولى : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مّنَ * الصَّالِحِينَ } ، فدلّ ذلك على أن البشارة الأولى شىء غير المبشّر به في الثانية ؛ لأنه لا يجوز حمل كتاب اللَّه على أن معناه : فبشرناه بإسحاق ، ثم بعد انتهاء قصة ذبحه يقول أيضًا : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ } ، فهو تكرار لا فائدة فيه ينزّه عنه كلام اللَّه ، وهو واضح في أن الغلام المبشر به أوّلاً الذي فدي بالذبح العظيم ، هو إسماعيل ، وأن البشارة بإسحاق نصّ اللَّه عليها مستقلّة بعد ذلك . .
وقد أوضحنا في سورة ( النحل ) ، في الكلام على قوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَواةً طَيّبَةً } ، أن المقرّر في الأصول : أن