@ 110 @ يعلم ما غاب في السماوات والأرض ؛ كما يدلّ عليه قوله بعده : { وَيَعْلَمُ مَا * يَخَافُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } ، وكقوله في هذه السورة الكريمة : { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِى السَّمَاء وَالاْرْضِ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } ، وقوله : { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الاْرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذالِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ } ، كما أوضحناه في سورة ( هود ) ، وقرأ هذا الحرف عامّة القرّاء السبعة غير الكسائي : { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ } بتشديد اللام في لفظة { إِلا } ، ولا خلاف على هذه القراءة أن يسجدوا فعل مضارع منصوب بأن المدغمة في لفظة لا ، فالفعل المضارع على هذه القراءة ، وأن المصدرية المدغمة في لا ينسبك منهما مصدر في محل نصب على الأظهر ، وقيل في محل جرّ وفي إعرابه أوجه : .
الأوّل : أنه منصوب على أنه مفعول من أجله ، أي : { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } ، من أجل { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ } ، أي : من أجل عدم سجودهم للَّه ، أو { فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ } ، لأجل { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ } ، وبالأوّل قال الأخفش . وبالثاني قال الكسائي ، وقال اليزيدي وغيره : هو منصوب على أنه بدل من { أَعْمَالَهُمْ } ، أي : { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } { أَلاَّ يَسْجُدُواْ } ، أي : عدم سجودهم ، وعلى هذا فأعمالهم هي عدم سجودهم للَّه ، وهذا الإعراب يدلّ على أن الترك عمل ؛ كما أوضحناه في سورة ( الفرقان ) ، في الكلام على قوله تعالى : { وَقَالَ الرَّسُولُ يارَبّ * رَبّ إِنَّ قَوْمِى اتَّخَذُواْ هَاذَا الْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً } ، وقال بعضهم : إن المصدر المذكور في محل خفض على أنه بدل من { السَّبِيلِ } ، أو على أن العامل فيه { فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } ، وعلى هذين الوجهين فلفظة لا صلة ، فعلى الأول منهما . فالمعنى : { فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ } سجودهم للَّه ، وعلى هذا فسبيل الحقّ الذي صدّوا عنه هو السجود للَّه ، ولا زائدة للتوكيد . وعلى الثاني ، فالمعنى : { فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } لأن يسجدوا للَّه ، أي : للسجود له ، ولا زائدة أيضًا للتوكيد ، ومعلوم في علم العربية أن المصدر المنسبك من فعل ، وموصول حرفي إن كان الفعل منفيًّا ذكرت لفظة عدم قبل المصدر ، ليؤدى بها معنى النفي الداخل على الفعل ، فقولك مثلاً : عجبت من أن لا تقوم ، إذا سبكت مصدره لزم أن تقول : عجبت من عدم قيامك ، وإذا كان الفعل مثبتًا لم تذكر مع المصدر لفظة عدم ، فلو قلت : عجبت من أن تقوم ، فإنك تقول في سبك مصدره : عجبت من قيامك ؛ كما لا يخفى . وعليه : فالمصدر