@ 105 @ قوله تعالى : { بَلْ جَاء بِالْحَقّ } ، تكذيب لهم في قولهم إنه شاعر مجنون . .
مسألتان تتعلقان بهذه الآية الكريمة .
المسألة الأولى : اعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال : ( لأن يمتلىء جوف رجل قيحًا يريه خير له من أن يمتلىء شعرًا ) ، رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه ، وقوله في الحديث : ( يريه ) بفتح المثناة التحتية وكسر الراء بعدها ياء ، مضارع ورى القيح جوفه ، يريه ، وريا إذا أكله وأفسده ، والأظهر أن أصل وراه أصاب رئته بالإفساد . .
واعلم أن التحقيق لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام حسنه حسن ، وقبيحه قبيح . .
ومن الأدلّة القرءانيّة على ذلك أنه تعالى لمّا ذمّ الشعراء ، بقوله : { يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } ، استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، في قوله : { إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً } . .
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرّح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشعر ، محمول على من أقبل على الشعر ، واشتغل به عن الذكر ، وتلاوة القرءان ، وطاعة اللَّه تعالى ، وعلى الشعر القبيح المتضمّن للكذب ، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيّات ، ونحو ذلك . .
المسألة الثانية : اعلم أن العلماء اختلفوا في الشاعر إذا اعترف في شعره بما يستوجب حدًا ، هل يقام عليه الحدّ ؟ على قولين : .
أحدهما : أنه يقام عليه لأنه أقرّ به ، والإقرار تثبت به الحدود . .
والثاني : أنه لا يحد بإقراره في الشعر ؛ لأن كذب الشاعر في شعره أمر معروف معتاد ، واقع لا نزاع فيه . .
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له : أظهر القولين عندي : أن الشاعر إذا أقرّ في شعره بما يستوجب الحدّ ، لا يقام عليه الحدّ ؛ لأن اللَّه جلَّ وعلا صرّح هنا بكذبهم في شعرهم في قوله : { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } ، فهذه الآية الكريمة تدرأ عنهم الحدّ ،