@ 72 @ به الشمس ، بدليل قوله تعالى : { نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً } وعلى قراءة حمزة والكسائي بالجمع ، فالمراد بالسرج : الشمس والكواكب العظام . .
وقد قدّمنا في سورة ( الحجر ) ، أن ظاهر القرءان أن القمر في السماء المبنيّة لا السماء التي هي مطلق ما علاك ؛ لأن اللَّه بيَّن في سورة ( الحجر ) ، أن السماء التي جعل فيها البروج هي المحفوظة ، والمحفوظة هي المبنيّة في قوله تعالى : { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } ، وقوله : { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } ، وليست مطلق ما علاك ، والبيان المذكور في سورة ( الحجر ) في قوله تعالى : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا } ، فآية ( الحجر ) هذه دالَّة على أن ذات البروج هي المبنيّة المحفوظة ، لا مطلق ما علاك . .
وإذا علمت ذلك ، فاعلم أنه جلَّ وعلا في آية ( الفرقان ) هذه ، بيَّن أن القمر في السماء التي جعل فيها البروج ؛ لأنه قال هنا : { تَبَارَكَ الَّذِى جَعَلَ فِى السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } ، وذلك دليل على أنها ليست مطلق ما علاك ، وهذا الظاهر لا ينبغي للمسلم العدول عنه إلا بدليل يجب الرجوع إليه ، مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . .
فإن قيل : يوجد في كلام بعض السلف ، أن القمر في فضاء بعيد من السماء ، وأن علم الهيئة دلّ على ذلك ، وأن الأرصاد الحديثة بيّنت ذلك . .
قلنا : ترك النظر في علم الهيئة عمل بهدى القرءان العظيم ؛ لأن الصحابة رضي اللَّه عنهم لما تاقت نفوسهم إلى تعلم هيئة القمر منه صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له : يا نبيّ اللَّها ما بال الهلال يبدو دقيقًا ثم لم يزل يكبر حتى يستدير بدرًا ؟ نزل القرءان بالجواب بما فيه فائدة للبشر ، وترك ما لا فائدة فيه ، وذلك في قوله تعالى : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ } ، وهذا الباب الذي أرشد القرءان العظيم إلى سدّه لما فتحه الكفرة كانت نتيجة فتحه الكفر ، والإلحاد وتكذيب اللَّه ورسوله من غير فائدة دنيوية ، والذي أرشد اللَّه إليه في كتابه هو النظر في غرائب صنعه وعجائبه في السماوات والأرض ، ليستدلّ بذلك على كمال قدرته تعالى ، واستحقاقه للعبادة وحده ، وهذا المقصد الأساسي لم يحصل للناظرين في الهيئة من الكفار . .
وعلى كل حال ، فلا يجوز لأحد ترك ظاهر القرءان العظيم إلا لدليل مقنع يجب الرجوع إليه ، كما هو معلوم في محلّه .