@ 20 @ .
واعلم أن الكفار في هذه الآية الكريمة اقترحوا بحث وشدة عليه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمور : .
الأول : أن ينزل إليه ملك ، فيكون معه نذيراً أي يشهد له بالصدق ، ويعينه على التبليغ . .
الثاني : أن يلقى إليه كنز ، أي ينزل عليه كنز من المال ينفق منه ، ويستغني به عن المشي في الأسواق . .
الثالث : أن تكون له جنة يأكل منها ، والجنة في لغة العرب البستان ومنه قول زهير : كأن عيني في غربي مقتلة ن النواضح تسقى جنة سحقا .
فقوله : تسقى جنة أي بستاناً ، وقوله : سحقا يعني أن نخله طوال . .
وهذه الأمور الثلاثة المذكورة في هذه الآية الكريمة التي اقترحها الكفار وطلبوها بشدة وحث ، تعنتاً منهم وعناداً ، جاءت مبينة في غير هذا الموضع ، فبين جل وعلا في سورة هود اقتراحهم ، لنزول الكنز ، ومجيء الملك معه ، وأن ذلك العناد والتعنت قد يضيق به صدره صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ } ، وبين جلا وعلا في سورة بني إسرائيل إقتراحهم الجنة ، وأوضح أنهم يعنون بها بستاناً من نخيل وعنب ، وذلك في قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الاْرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الاْنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا } واقتراحهم هذا شبيه بقول فرعون في موسى : { فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } تشابهت قلوبهم فتشابهت أقوالهم . .
وقد قدمنا في الكلام على آية سورة بني إسرائيل ، هذه الآيات الدالة على كثرة اقتراح الكفار ، وشدة تعنتهم وعنادهم ، وأن الله لو فعل لهم كل ما اقترحوا لما آمنوا كما قال تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } وقال تعالى : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْء قُبُلاً مَّا