@ 532 @ .
وقد رأيت ما ذكرنا من الآيات الدالَّة على وعد اللَّه بالرزاق من أطاعه سبحانه جلَّ وعلا ما أكرمه ، فإنه يجزي بالعمل بالصالح في الدنيا والآخرة ، وما قاله أهل الظاهر من أن هذه الآية الكريمة تدلّ على أن العبد يملك ماله ؛ لأن قوله : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } بعد قوله : { وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } ، يدلّ على وصف العبيد بالفقر والغنى ، ولا يطلق الغنى إلاّ على من يملك المال الذي به صار غنيًّا ، ووجهه قوي ولا ينافي أن لسيّده أَن ينتزع منهم ذلك المال الذي ملك له ، والعلم عند اللَّه تعالى . .
{ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } . .
هذا الاستعفاف المأمور به في هذه الآية الكريمة ، هو المذكور في قوله : { قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً } ، ونحو ذلك من الآيات . { وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، قيل : غفور لهن ، وقيل : غفور لهم ، وقيل : غفور لهنّ ولهم . .
وأظهرها أن المعنى غفور لهنّ لأن المكره لا يؤاخذ بما أُكره عليه ، بل يغفره اللَّه له لعذره بالإكراه ؛ كما يوضحه قوله تعالى : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } ، ويؤيّده قراءة ابن مسعود ، وجابر بن عبد اللَّه ، وابن جبير ، فإن اللَّه من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رحيم ، ذكره عنه القرطبي ، وذكره الزمخشري عن ابن عباس رضي اللَّه عنهم جميعًا . .
وقد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنّا لا نبيّن القرءان بقراءة شاذّة ، وربما ذكرنا القراءة الشاذّة استشهادًا بها لقراءة سبعية كما هنا ، فزيادة لفظة لهنّ في قراءة من ذكرنا استشهاد بقراءة شاذّة لبيان بقراءة غير شاذّة أن الموعود بالمغفرة والرحمة ، هو المعذور بالإكراه دون المكره ؛ لأنه غير معذور في فعله القبيح ، وذلك بيان المذكور بقوله : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ } .