@ 302 @ أبيكم إبراهيم ، ولا يبعد أن يكون قوله { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } شاملاً لما ذكر قبله من الأوامر في قوله { ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجَاهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } . ويوضح هذا قوله تعالى { قُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } والدين القيم الذي هو ملة إبراهيم : شامل لما ذكر كله . .
قوله تعالى : { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَاذَا } . اختلف في مرجع الضمير الذي هو لفظ هو من قوله { هُوَ سَمَّاكُمُ } فقال بعضهم الله هو الذي سماكم المسلمين من قبل ومن هذا ، وهذا القول مروى عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد وعطاء ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل بن حيان ، وقتادة . كما نقله عنهم ابن كثير . وقال بعضهم : هو أي إبراهيم سماكم المسلمين ، واستدل لهذا بقول إبراهيم وإسماعيل { وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } وبهذا قال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم ، كما نقله عنه ابن كثير . وقد قدمنا أن من أنواع البيان التي تضمنها هذا الكتاب المبارك أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً وتكون في الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول . وجئنا بأمثلة كثيرة في الترجمة ، وفيما مضى من الكتاب ، وفي هذه الآيات قرينتان تدلان على أن قول عبد الرحمان بن زيد بن أسلم غير صواب . .
إحداهما : أن الله قال { هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَاذَا } أي القرآن ، ومعلوم أن إبراهيم لم يسمهم المسلمين في القرآن ، لنزوله بعد وفاته بأزمان طويلة كما نبه على هذا ابن جرير . .
القرينة الثانية : أن الأفعال كلها في السياق المذكور راجعة إلى الله ، لا إلى إبراهيم فقوله { هُوَ اجْتَبَاكُمْ } أي الله وما جعل عليكم في الدين من حرج : أي الله هو سماكم المسلمين : أي الله . .
فإن قيل : الضمير يرجع إلى أقرب مذكور ، وأقرب مذكور للضمير المذكور : هو إبراهيم . .
فالجواب : أن محل رجوع الضمير إلى أقرب مذكور محله ما لم يصرف عنه صارف ، وهنا قد صرف عنه صارف ، لأن قوله وفي هذا يعني القرآن ، دليل على أن